لكل نص مكتوب ألف زاوية وزاوية، أياً كانت درجة شرحك أيها الكاتب وتفسيرك وقدرتك على التوضيح، إلا أنه حتى للزاوية التي تقف عندها في القضية التي تكتبها زوايا أخرى تضيف أبعاداً جديدة لك، فيحتاج الأمر أحياناً للعودة لمزيد من التوضيح ومزيد من التركيز وتحديد الزاوية التي تقصدها، وأحياناً العودة مطلوبة لأن ما يثيره القارئ من زاويته يستحق أن تفتح الموضوع مجدداً من أجله.

قضية التنبيه لإمكانية استغلال السخط وإدارته وإخراجه من عفويته التي تناولتها في مقال «إدارة السخط وضبطه» قرئت عند البعض على أنها دعوة للتعتيم على قضية «سخط» البحرينيين على تولي الأجانب المناصب الإدارية في الشركات الوطنية الكبرى، وذلك ليس صحيحاً بتاتاً، فالتنبيه كان لمحاولات الاستدراج الواضحة لخلق مصادمات أمنية مع جموع الجاليات الأجنبية، كالصدام مع عمال أجانب أو الصدام مع جاليات أجنبية أو الصدام مع من نظنهم أجانب وهم حملة للجنسية البحرينية، التحذير تناول تلك الأمثلة مستشهداً بما يحاك للمنطقة من دفع مجتمعاتها لخلق الفوضى، وها نحن نرى ما يقومون به في مصر لدفع الأقباط كجماعة أن تصطدم مع الدولة ومع المسلمين، ونتلمس محاولات مشابهة لتحريك ذات الفتنة في البحرين، عبر افتعال صدامات و«هوشات» متكررة وتصويرها وتوزيعها في وسائل التواصل الاجتماعي ولا نستبعد أن يكون ذلك عملاً ممنهجاً لإدارة السخط، وفرق بين من يتسبب في السخط، وبين من يستغله ومن يديره ويوجهه.

أما أن تكون هناك حالة سخط عام على تولي «أجانب» مناصب إدارية عليا في الشركات الوطنية الكبرى والمؤسسات والمصانع والتي من المفروض أنها تشكل عماد الاقتصاد الوطني وقدمها يمتد لأكثر من ثلاثين عاماً، فذلك سخط في موضعه ومبرر ومشروع وذو منطق سليم.

إذ إن تلك السياسة أي تولية الأجانب المناصب الإدارية لمؤسسات عريقة في تاريخها منذ التأسيس إلى اليوم، تعني أنني كدولة وكمسؤول عن إدارة الشركات والأصول الوطنية فشلت فشلاً ذريعاً فشلاً «مروبعاً» في خلق قيادات قادرة على إدارة تلك المؤسسات، رغم أن تلك كانت مسؤوليتي بل هي من أولوياتي، أو أنني فشلت في اكتشاف تلك الكفاءات الوطنية رغم وجودها في البحرين ومنحها شرف إدارة هذه الأصول والممتلكات، ربما لأنني لا أعرف «الناس» وقدراتهم وكفاءاتهم، وربما لأنني لا أجهد في استخراج الدرر الموجودة، وربما لأن من حولي حريصون على عدم دخول كفاءات جديدة تهدد مصالحهم ومراكزهم!! السخط مبرر نظراً لأن العديد من الكفاءات الإدارية تقدر ويعرف إمكانياتها في دول الجوار لكننا هنا نحاربها ونطاردها حتى تفر.

السخط مبرر لأن حلقة تدوير المناصب أصبحت صغيرة جداً وطاردة ولا تسمح لجديد أن يدخل عليها ويصبح الأمر هذا أحبه هذا هو السيد «يس» أي هو من ينفذ ولا يبتكر من يقول نعم ولا يجادلني، إذاً هذا أريده وهذا أوليه منصباً!! لا عجب أن نرى الأجانب هم الباقون الصالحون، إذ ستصغر الدائرة ويخرج منها من الكفاءات الوطنية القادرة على تولي تلك المناصب يوماً بعد يوم.

نستحضر هنا النماذج البحرينية التي تتولى مناصب إدارية في الإمارات وفي قطر وهي نماذج ناجحة ومطلوبة خرجت من البحرين لأنها حوربت لا لأنها وجدت فرصاً أفضل فقط.

بالمقابل نستحضر هنا نموذجاً إدارياً بحرينياً ناجحاً قائماً على إداريين بحرينيين كصف أول وثانٍ وثالث وهو «جيبك» وأنت هنا أمام مصنع ومؤسسة تجارية ربحية في ذات الوقت، نموذج ناجح في التشغيل وفي التسويق وفي الإدارة في ظل وجود منافسين شرسين في المنطقة، جميع الطاقم يدار من قبل تنفيذيين بحرينيين، بمعنى أن هذا النموذج وضع الأسس منذ البداية لتأهيل من يديره ومن يسوق له ومن يشغل له من الكفاءات الوطنية، هذا هو امتحان الإدارة الذي يكرم المرء فيه أو يهان.

الأجمل هو «الولاء» الذي تشهده في الصفوف الإدارية للمؤسسة بحد ذاتها، وتلك صناعة بحد ذاتها، أن تجعل من العاملين معك راضين ومستقرين.

أتدري متى تقيس درجة نجاح تلك المؤسسة عن فشل غيرها، عندما ترى السخط عند العاملين فيها رغم أنهم من القيادات في مؤسسة ما، وبالمقابل ترى بأم عينك درجة الولاء والرضا حتى عند العمال وصغار الدرجات في مؤسسات أخرى.

محقٌّ البحريني إذاً أن يعمه «السخط» حين يرى شركاته الوطنية ومؤسساته الكبرى ومصانعه بعد كل هذه السنين الطويلة وقد عجزت عن إيجاد بحريني يديرها فأوكلت أمرها لأجنبي.

محقٌّ البحريني أن يعمه السخط حين يرى أن من أعطى الأجانب فرصة إدارة على تلك المؤسسات الوطنية العريقة والقديمة لم يره ولم يقدره ولم يعرفه.

محقٌّ البحريني أن يعمه السخط وهو يرى تلك الامتيازات التي تمنح للأجنبي يبخل عليه فيها حتى وإن تولى ذات المنصب.

كلمة أخيرة

السخط يعالج بالاستماع له وبفهمه وفهم أسبابه ودوافعه، فإن كان مبرراً فيستجاب له ويعمل بما يدعو له الساخطون دون مكابرة ودون أن تأخذنا العزة بالإثم، ولا يعالج باتهام الساخطين بأنهم «ما عندهم سالفه»!!