هل يمكن تحويل الإنسان، هذا الكائن البشري الذي خلقه الله ككتلة من المشاعر والأحاسيس، وحباه بإرادة متفردة غير ملتصقة قراراته بغيره، هل يمكن أن يتحول إلى ما يشبه «الرجل الآلي» الخال من كل هذه الصفات البشرية؟!

هل يمكنك أن تجرد الإنسان من الإحساس؟! هل يمكنك أن تجرده من التفكير؟! هل يمكنك أن تسلب إرادته؟! هل يمكنك أن تحوله إلى آلة قتل دموية؟!

كل هذه التساؤلات تركز على عملية «البرمجة»، وكيف يمكن تحقيق كل تلكم الصفات، اللإحساس، اللاتفكير، اللإرادة، واللارحمة، في بشريين ليتحولوا إلى «رجال آليين» بكل ما تعنيه الكملة من معنى.

ركزوا بأن البرمجة التي أوردنا أمثلة عليها أعلاه، كلها «مواصفات» سعى كثير من القياديين في العالم عبر التاريخ لتحقيقها في الأفراد الذين يتبعونهم.

زعماء دمويون مثل ستالين وهتلر وموسوليني، كانت عملية بنائهم للجيوش عبر الأفراد، من خلال انتقاد النوعيات القابلة للتطويع، والتي بناء عليها يمكن تشكيل كل فرد منهم بحسب ما يراد له من مهام يؤديها.

عناصر الجيش الأحمر السوفيتي، لم يمتلكوا في قاموسهم المعرفي ولا حتى اللغوي مصطلحات ترادف صفات «الرحمة» و«الرفق»، بل كان كل ما يمر أمامهم «قابل للقتل»، «قابل للتدمير»، طالما أن التوجيه كان كذلك.

أفراد الرايخ، كان ينفذون الأوامر حرفياً دون أية مناقشة، خاصية التفكير والتمعن في الأوامر كانت معطلة تماماً، يضاف إليها نزعة القتل والتجرد من الرحمة، وكذلك الحال كان بالنسبة لعناصر جيوش «الدوتشي» موسيليني، فالتبعية العمياء للقائد الفاشتسي هي الأساس، الولاء المطلق مهما كانت الظروف هو أسمى وأرفع مستويات أداء الأدوار بكفاءة.

هذه أنظمة جيوش حربية، كثير منها عاش فترة انتعاش زمنية، كلا منهم كانت له مراحل تفوق، وناهيك عن النهايات، إلا أن الفكرة هنا في عملية «بناء» الأتباع، وفي «برمجة» الأفراد، هي تمثل مبدأ استخدم ومازال من قبل إيران وأذرعها المنتشرة في كل مكان.

تساءلنا كثيراً بشأن ما الذي يدفع أطفالاً مراهقين للتلثم والقيام بأعمال إرهابية وإجرامية، أبسطها سد الطرقات أمام الناس، وأشنعها الهجوم بالزجاجات الحارقة والأسلحة؟! لماذا يصل طفل لهذا المستوى من العنف، هذا المستوى من الكراهية، هذا المستوى من الحقد ضد دولته، ونظامه، وحتى بقية مكونات المجتمع؟!

لماذا تجدون فلاناً دكتوراً معروفاً، أو مهندساً مرموقاً، أو طبيبا ماهرا، يتحول بممارساته إلى أشبه ما يكون «المجرم» و«خريج السجون»، فجأة تراه يتحول من ذلك الحرفي الماهر الذي تحترمه في عمله، إلى شخص إرهابي، يتحدث باللامنطق، ويقوم بالأمور التي لا تصدر إلا عن غارقين في الجهل، مفتقرين للعلم والتنوير؟!

نستغرب، رغم أن زمن الاستغراب والاندهاش من المواقف والمفاجآت، ذهب وولى، إذ تعودنا على الصدمة في أشخاص ومستويات عقول، كيف لها أن تصل لهذا «الدرك الأسفل» من اللاوعي واللاتفكير.

في زمن الحروب، كان مهما وجود أفراد يعملون كما «الأدوات»، أعدادهم الكبيرة تفرض على قياداتهم «برمجتهم» بأسلوب «تؤمر، فتنفذ، ولا تناقش»، لأنها معركة بقاء في النهاية، ولست تمتلك الوقت لتقضيه مع الجميع، مناقشاً ومعلماً ومطوراً، هي حرب، بالتالي أدواتها لابد وأن تكون بنفس البرمجة، خاصة وأنها قابلة للإبادة والتبديل السريع بشبهاء لها.

لكن هنا، حينما نتحدث عن مجتمعات، نتحدث عن وعي وفكر، وعن بشر يفترض أن لهم إرادة وحريات وآراء، إذ أليس هذا ما يتحدث عنه «عملاء» إيران و«طابورهم» الخامس و«إعلامهم الأصفر»؟! هنا، تستغرب كيف أن من يدعي مطالبته بالحرية، هو نفسه من باع حريته لغيره! من يطالب بالحقوق، هو نفسه من ضحى بحقوقه لأجل غيره! من يطالب بالإرادة الحرة، هو نفسه من لا يملكها، بل ناصيته بيد من أخذها منه، سواء بذريعة الدين والمذهب والإمامة، أو بذريعة القيادة السياسية الحزبية من مدعي النضال الزائف القائم على المصالح الشخصية، لا المصالح المجتمعية الجامعة.

العملية كلها في «البرمجة»، في «إرضاع» الصغار للكراهية والحقد والموالاة للأجنبي، والزراعة بداخلهم أن حقوقهم مسلوبة، حتى لو ملكوا كل شيء، فإن حقوقهم مسلوبة، ولن ترجع إلا حينما تهاجم الآخر وتستهدفه، وتنهي وجوده.

أتباع إيران، كلهم ممن تمت «برمجتهم» بهذه الطريقة، ومن يتابع أفعالهم ويستمع لأقوالهم، سيدرك على الفور بأن هؤلاء من الاستحالة أن يكونوا بشريين أصحاب إرادة وفكر ووعي، هؤلاء كما الجيوش التي أسست لتقتل وتدمر وتسفك الدماء وتتطاول على حقوق الآخرين، لتفعل ذلك كله، دون أن ينطق أحد أفرادها ويسأل قائده «لماذا»؟!