في خضم تداعيات أزمة قطر، والمواجهات السياسية والإعلامية المرتبطة بها، تظل الجماعات السياسية الراديكالية في الشرق الأوسط في أزمة حقيقية تتعلق بمستقبلها، ومستقبل الدور الذي تقوم به منذ سنوات بفضل الدعم السخي الذي كانت تحصل عليه من الدوحة.

الجماعات السياسية الراديكالية في أزمة، لأنها تنتظر ما ستؤول إليه في ظل ضغط الدول المقاطعة لتجفيف تمويلها، وقطع العلاقة بينها وبين الدوحة.

كل ذلك يتم في إطار عملية مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه في الشرق الأوسط التي باتت من ثوابت السياسة في المنطقة بهدف إعادة الأمن والاستقرار.

هناك مجموعة خيارات أمام هذه الجماعات التي كانت محركات أساسية في عملية تغيير الشرق الأوسط، جميعها سيئ بلا شك بالنسبة لها، وأولها تراجع هائل وكبير لأدوار الجماعات الراديكالية يتزامن مع انخفاض حاد في حدة الأعمال والأنشطة الإرهابية. وهو ما يتوافق مع بعض التقديرات الدولية التي تتوقع تراجع الإرهاب في المنطقة خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 6 شهور.

ومن الممكن أن يؤدي رفع يد الدوحة عن هذه الجماعات إلى فتح الباب أمام صراعات تنظيمية داخلية لا تنتهي، وانقسامات وانشقاقات على المديين القصير والطويل.

أما ثاني الخيارات الاستراتيجية للجماعات الراديكالية أن يؤدي توقف دعم الدوحة وتمويلها إلى البحث عن مصادر تمويل أخرى إقليمية ودولية -وهي مصادر متاحة وموجودة حالياً- بحيث ينتقل التمويل من الدوحة إلى قوى أخرى جديدة، وحينها لن تختلف التكتيكات، بل قد تتغير الأجندات.

ثالث الخيارات التي يمكن أن تلجأ لها الجماعات الراديكالية أن تشهد المنطقة مجموعة من الاندماجات السياسية بين التنظيمات الحالية بهدف ترشيد الموارد، والتركيز أكثر على الأهداف، وقد تقوم الجماعات بتغيير دائرة الاستهداف سياسياً وجغرافياً.

أيضاً من الخيارات الاستراتيجية أن تدخل الجماعات حالة من الكمون والخمول لفترة من الزمن، وهو خيّار مجرب، ومرّ فيه أكثر من تنظيم وتيار سياسي خلال القرن العشرين، حيث يظل خاملاً دون حراك، إلى أن تتهيأ الأجواء، ويتم تفعيل التنظيم وخلاياه سريعاً مع تحديث عاجل للأيديولوجيا المتطرفة تتناسب وظروف المرحلة، ومعطيات الواقع.

النتيجة أن رفع يد قطر عن الجماعات السياسية الراديكالية سيساهم بشكل كبير في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، والحد من وتيرته، لكنه يفتح المجال أمام بدائل استراتيجية أخرى يجب الاستعداد لمواجهتها، خاصة وأن إرهاب الدوحة ليس سطحياً، لأن الحكومة القطرية لم تعتمد على بناء ودعم تنظيمات سياسية متطرفة تنشر الإرهاب والفوضى، بل عمدت إلى بناء بيئة داعمة لاستقرار الفوضى لا يمكن إيقافها سريعاً، وهو ما يفسر إصرار دول المقاطعة حالياً على ملاحقة الدوحة بأقصى العقوبات، وإن تطلب ذلك ملاحقات دولية.