جميع الذين شاركوا في التعليق على أزمة قطر منذ اللحظة التي اتخذت فيها الدول الأربع «البحرين والإمارات والسعودية ومصر» قرار قطع العلاقات الدبلوماسية ووضعت مجموعة من الشروط لتعود الأمور إلى سابق عهدها، جميعهم اهتموا بالقول بأن ما جرى ويجري لا يستهدف الشعب القطري الشقيق الذي هو جزء من النسيج الاجتماعي الخليجي يتكامل مع أجزائه الأخرى ولا يمكن أن ينفصل عنه، ودعوا إلى الابتعاد عن الإساءة إلى هذا الشعب بأي شكل من الأشكال وأياً كانت الأسباب، بينما أكد جميع المسؤولين في الدول الأربع أن أحداً لا يستهدف الشعب القطري.

هذا يعني أن المشكلة محصورة بين حكومات هذه الدول وحكومة دولة قطر وأن الغاية من كل القرارات والمواقف التي تم اتخاذها هي وضع حد لما تقوم به دولة قطر من أعمال تسيء إلى الدول الأربع وإلى المنطقة.. وإلى الشعب القطري نفسه الذي بدأ يعبر عن عدم رضاه من النظام في قطر ويقترب من رفع الصوت عالياً والجأر بالشكوى وهو ما تؤكده الأخبار التي بدأت في الانتشار عن موجة الاعتقالات التي أودت بحرية مجموعة غير قليلة من القطريين بينهم ضباط وإعلاميون ومسؤولون وأقاربهم.

والأكيد طبعاً هو أن أحداً من مواطني دول مجلس التعاون ومصر ومختلف الدول العربية والإسلامية لا يقبل على الشعب القطري ولا يمكن أن يسيء إليه فهو شعب أصيل طيب مضياف ومحب للآخرين، مشكلته تنحصر في أنه ابتلي بنظام حرص على تهميشه ولم يثق به وله مطامع في المنطقة وخارجها ويبحث عن دور يشعره بأهميته ويعتقد أنه بثروته يمكنه أن يحكم العالم ويتصرف في رقاب العالمين.

ما قام به النظام القطري في حق الشعب القطري كثير، لكن هذا الشعب الذي حرص حكامه على تغييبه وإبعاده عن كل ما قد يجعله ينتبه لما يراد له وتم إلهاؤه في ملذات العيش بالصرف عليه ببذخ بدأ ينتبه لهذا الأمر ولغيره من الأمور وصار يطرح التساؤلات التي أسهلها ما إذا كان يعقل أن تتخذ الدول الأربع ومعها دول أخرى هذا الموقف من النظام القطري هكذا من دون أسباب أو بغية تحقيق أهداف خاصة بها؟

اليوم يواجه النظام القطري مشكلة أخرى أكثر صعوبة من مشكلة المقاطعة ومشكلة تأثر الاقتصاد ومشكلة فقدانه ثقة العالم بعد كل هذا الذي فعله في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول وبعد افتضاح أمر علاقاته السرية مع دول وأنظمة ديدنها الإرهاب والإساءة إلى الإنسان أحدها إسرائيل التي جاهر رموزه ويجاهرون بعلاقتهم بها، اليوم يجد هذا النظام نفسه أمام شعب اكتشف أنه لم يكن إلا أداة ولعبة في يده وأنه تبين له أنه حان الوقت للتحرك وتصحيح وضعه، والدليل هو تزايد الاعتقالات وتزايد أعداد الذين يختفون ومنهم شخصيات كبيرة يرد اسمها في الأخبار التي يتم تناقلها في وسائل التواصل الاجتماعي ولا تستطيع الحكومة القطرية أن ترد عليها وتبرر ذلك الغياب .

النظام القطري يعيش اليوم مأزقاً ليس قرار مقاطعته دبلوماسياً ومعاقبته بحزمة من القرارات إلا جزءاً منه، يزيد من صعوبته حالة الوعي التي انتابت الشعب القطري بعد كل هذا الذي رآه وسمعه وعاشه ويعيشه وأصبح يتساءل ويطالب ويتخذ المواقف ضد هذا النظام الذي صار العالم كله يعرف أنه واحد من بين قلة مسؤولة عن الفوضى التي تعم العالم العربي منذ أكثر من 6 سنوات.

أبداً لا علاقة للشعب القطري الأصيل بما قام ويقوم به النظام الحاكم في قطر، فهذا الشعب مثله مثل الشعوب الأخرى التي ذاقت من ويلات هذا النظام ضحية وتحمل وقاسى الكثير، لكن الجميل هو أن كل العالم يدرك هذه الحقيقة فلا يقبل بالإساءة إليه.