بعد أن تكشف الدور القطري والدور الأمريكي والإيراني في سقوط نظم عربية لم نتوقع سقوطها كالنظام المصري والتونسي والليبي واليمني وما آلت إليه أحوال شعوب تلك الدول وضحاياها الذين فاقوا المليون ونصف وعشرات الملايين من المشردين، فإن نجاة الشعب البحريني من مآل تلك الشعوب معجزة قياساً بحجم المؤامرة و قياساً بحجم البحرين!!

الحق يقال أن ينجو «نظام الحكم» في البحرين من السقوط، وقد سقطت أنظمة لدول عربية أكبر وأعمق وأكثر قوة ومنعة بتلك المؤامرة الخطيرة وذلك المشروع الكبير والضخم

وينجو من السقوط وينقذ معه البحرين كدولة والبحرينيين كشعب، فنحن أمام حاكم يستحق الشكر والثناء، فالحكم لم ينجُ بنفسه، الحكم أنقذ الشعب البحريني من مآل الشعوب الليبية واليمنية والسورية والعراقية حيث ذابت الدولة واختفت وناحت البواكي على أطلالها، وترملت النساء ويتم الأطفال وشُتت المهاجرون في كل بقاع العالم وبيعت الدولة كقطع الغيار في سوق النخاسة ولم نكن في الثالث عشر من مارس 2011 بعيدين عن هذا المآل.

منذ 14 فبراير اتضح للحكم في البحرين حجم التآمر عليه وهو الذي يحكم جزيرة صغيرة في الخليج العربي مساحتها لا تزيد عن 760 كيلو متراً مربعاً تعداد مواطنيها لا يصل المليون وهو اليوم يرى نفسه في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية أكبر وأعظم قوة في الكرة الأرضية ومعها إيران أخبث وأقذر نظام عرفه التاريخ ومعهم قطر الشقيق الغادر ومعهم الاتحاد الأوربي ومعهم للأسف طابور خامس داخل الجزيرة، كيف ممكن أن تنقذ نفسك وشعبك من سيناريو تراه أمام عينيك حياً في دول (الربيع) العربي؟ كيف تنجو من تحالف هو الأقوى بكل المقاييس؟ ذلك سؤال وضع في ذهن الملك حمد بن عيسى آل خليفه منذ فبراير 2011 بعد أن وضح حجم المؤامرة نهاية ذلك الشهر.

هيلاري كلينتون تمنع الحكم في البحرين من إنفاذ القانون، تمنع وزارة الداخلية أن تقوم بعملها وحاولت أن تمنع دخول قوات درع الجزيرة بكل ما أوتيت من نفوذ.

اشتغلت كل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الغربية ومعهم الجزيرة القطرية لتصور البحرين دولة آيلة للسقوط، إيران هربت المتفجرات والسلاح ودربت الخونة وقطر دعمتهم بالمال والإعلام وساعدتهم شبكة تنظيمية ربطت علاقاتها في أوروبا وأمريكا مع تنظيمات دولية حقوقية وإعلامية وتشريعية لتسهيل مهمة «الحكم البديل» للوصول لها وتعريف أنفسهم لها والخونة في الداخل يعيثون في الأرض فساداً حرقاً وقتلاً وتدميراً، وتأتيهم التطمينات الأمريكية والقطرية والإيرانية أننا معكم، وطاقم من الحقوقيين والإعلاميين الخونة داخل وخارج البحرين يجوب بقاع الدنيا بتسهيلات قطرية يقنعون العالم بأن ما يحدث في البحرين امتداد لربيع عربي!

إن تحرك وأنفذ القانون فهو مهدد من إدارة أوباما وقد سقط بن علي والقذافي وحسني مبارك وعلي صالح قبل ذلك بأيام، إن ترك الخونة يعيثون في البحرين حل الدمار والخراب وسقط النظام، إن لجأ لمجلس التعاون فقطر وقفت له بالمرصاد لمنع المجلس من الاتحاد معه، إذاً أينما تحرك فالحلقة تضيق عليه كلاعب حوصر من قبل الذئاب والغربان تحوم تنتظر لحظة السقوط.

كيف استمر البحرينيون بحياتهم الطبيعية يذهبون لأعمالهم و مدارسهم ويجوبون الشوارع ويفتحون محلاتهم ويشترون ويبيعون ويتزاورون يتزوجون ويرتادون المطاعم ودور السينما والمنتزهات، وهناك حرب اقتصادية وحصار اقتصادي وسياسي وإعلامي وتهديدات خطيرة من أكبر الدول ممكن أن تجعله قتيلاً أو شريداً بين لحظة وأخرى؟ كيف واصلوا حياتهم دون أن يشعروا بما هو مخطط لهم؟ كيف يمكن خلق وعي بالخطر دون أن يتحول لبلبلة تزيد الأمر صعوبة؟

كنا نعرف رؤوس أقلام من تلك المؤامرة، وذلك التحالف على البحرين، إنما التفاصيل المرعبة المخيفة التي تتكشف لنا تجعلنا أن ندرك أن قيادة سفينتنا في وجه ذلك العافور كان معجزة، أي نظام حكم سيترنح، عليك فقط أن تجمع خيوط تلك التفاصيل لتعرف حجم التهديدات الكبيرة التي واجهها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 2011، كيف نام الحكم بعد سماع تفاصيل تهديدات هيلاري كلينتون لسعود الفيصل وعبدالله بن زايد؟ أنت تتحدث عن وزارة الخارجية الأمريكية وأسطولهم الخامس بكل قوته على بعد كيلومترات من القصر، كيف نام الحكم بعد سماع حمد بن جاسم وهو يكلم علي سلمان؟ كيف نام الحكم وهو يرى حجم التحويلات المالية القطرية للخونة في البحرين؟ أنت تتحدث عن أخ يطعن في ظهرك في عز أزمتك ويحيل الخنجر عرضاً وطولاً في ظهرك، كيف نام بعد اطلاعه على حجم الكميات من المتفجرات التي هربتها إيران للبحرين؟ أنت أمام أكبر خطر لا يهددك كحاكم فقط إنما يهدد شعبك بنسائه بأطفاله بشيوخه أنت أمام مسؤولية حمايتهم ونجاتهم قبل أن تكون نجاتك.

تلك التفاصيل كانت أمام الحكم كل ليلة منذ 2011 وربما إلى الآن، وعليه أن يدير اللعب بهدوء أمام كل تلك العواصف التي فاقت إعصار إيرما قوة وعنفاً وبالتأكيد هناك الكثير من التفاصيل التي لم يفصح عنها إلى الآن، فكيف نجح في المرور من بين هذا (العافور) كيف أخرج البحرينيون معه وصورة كصورة الشعب الليبي الذي يموت على سواحل أوروبا هرباً من جحيم الاقتتال أمام عينه قبل أن ينام؟

الحكم بكل ما يحمل من امتيازات للحاكم، إلا أنه يحمله في ذات الوقت عبئاً تنوء به الجبال، أن يستمر حكم دولة أكثر من مائتي عام، فأنت أمام حكم من نوع خاص، ومن القلة من النوادر التي لا يشاركك في طولها إلا عدد محدود من الملكيات في العالم.

و أن تحكم دولة كالبحرين بكل عقباتها الطبيعية والبشرية كموقعها الجغرافي الحساس وصغر حجمها وقلة مواردها وتعدد نسيج مجتمعها، ثم تستمر دولتك وتحصل على تلك النتائج على مؤشرات التنموية البشرية العالمية فأنت أمام حكم من نوع فريد، أما أن تنجح مع كل تلك المعطيات وتنجي شعبك من أكبر وأضخم وأقذر مؤامرة في التاريخ على أصغر الشعوب مؤامرة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة استخبارات أوربية ومعهم إيران وقطر وحفنة خونة في الداخل فأنت أمام حمد بن عيسى آل خليفة.