الخيار العسكري، والمواجهات الحربية المباشرة، كلها أساليب اختفت منذ سنوات في منطقتنا الخليجية، رغم أن أطماع أكبر الأعداء، ونعني إيران، مازالت نفسها، بل باتت تكبر وتتطور عن ذي قبل.

مخطط التوسع «الصفيوني» الإيراني الذي ترسخت جذوره قبل عقود طويلة، وتشكل بصورته المتطورة ذات النزعة المستشرية الاستعمارية مع مجيء الخميني وإسقاط الشاه، هذا المخطط بات أساساً لكل حراك إيراني ضد منطقة الخليج العربي ودولها، فلا تظنون أن إيران ستنسى وقوف دول الخليج مع العراق في حربه ضد الصفويين، أو إفشال مخططات الاستهداف الصريحة ضد مملكة البحرين في عقود الثمانينات والتسعينات ومطلع الألفية الجديدة والعقد الذي تلاها.

رغم وضع المواجهة العسكرية المباشرة موضع «التجميد» حتى إشعار آخر، إلا أن الحراك الإيراني والطموح المريض باستهداف الخليج العربي لم يتوقف، بل نشط بشكل مكثف لكن عن طريق آليات عمل أخرى، قد تكون أكثر خطورة من المواجهة الصريحة، كونه يعتمد على خلق «الأرضيات» وصناعة «العملاء» و«الخونة» بالداخل.

بدلاً عن القنابل والصواريخ، استبدلوها بـ«حروب أفكار» وفق إستراتيجية «القوة الناعمة»، وهي ليست ضمن أساليب «الحرب الباردة»، بل معنية بطرق خبيثة للتغلغل، واستخدام أسلوب «الحرب بالوكالة».

مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»، عقد ندوة ركزت في انتهاج إيران لأسلوب «القوة الناعمة» في استهدافها للخليج وللبحرين بالأخص، وكان المثير في تشخيص الحالة ما تطرق له المسؤول السابق بمكتب وزير الدفاع الأمريكي، الخبير في منطقة الشرق الأوسط، والباحث في السياسات الدفاعية والخارجية والقوى الناعمة بمعهد «أمريكان إنتربرايز» السيد مايكل روبين.

روبين تطرق بالتفصيل للأسلوب الإيراني المتبع في استهداف منطقة الخليج العربي، والذي مورس بصورة متقدمة في البحرين، إذ إيران باتت تفضل أسلوب «القوة الناعمة» بدلاً عن المواجهة المباشرة، وذلك من خلال صناعة الخلايا والميليشيات الإرهابية، التي تحارب عنها بالوكالة، وتعمل بأسلوب «الفايروس» الذي ينتشر داخل المجتمعات بهدف التغلغل والسيطرة على المفاصل، تمهيداً لساعات الصفر.

أساس هذه الأساليب يقوم على «حرب الأفكار» والتي يتم من خلالها «تطويع» عقول وإرادات البشر باستخدام أوراق تعزز «التبعية»، على رأسها العامل المذهبي، واعتبار أن الخيانة للمذهب تتمثل بخيانة إرادة المرشد الأعلى.

ولأن مشروع الخميني أساسه السيطرة على العقول، وتجنيد البشر للتحول إلى «خشب محرقة» لا ضير من إحراق نفسها في سبيل تنفيذ أوامر المرشد، فإن مبدأ «تصدير الثورة» هو الهدف الأساس الذي تقوم عليه كافة التحركات الإيرانية اليوم من خلال خلاياها المنتشرة في المنطقة.

حينما قيل بأن إيران هي رأس حربة الإرهاب، بل المصدر الأول لتصدير الإرهاب وصناعة الإرهابيين، واحتضان كارهي أوطانهم، وتسخير كافة الموارد المالية والمعنوية لهم عبر إمدادهم بالأسلحة وتدريبهم، فإن التوصيف كان بدقة لا تقبل الجدل، فالشمال كان دائماً مصدراً للأطماع والتهديد، وانتهاء دور العراق كأول خطوط التصدي للزحف الإيراني، جاء كأغلى هدية قدمت لإيران، وإن كانت فترة جورج بوش الابن مهدت لإيران ترتيب أوراقها، فإن ما فعلته إدارة باراك أوباما من تسليم كامل للعراق بموارده وأمواله وبشره، كانت الضوء الأخضر لنظام «الولي الفقيه» ليطور من حربه ضد المنطقة، وليحول العراق لأكبر معسكرات إعداد الخونة والانقلابيين والإرهابيين.

ما أشار له روبين، أمر خطير بالفعل، ففي السابق كانت الدول الاستعمارية وذات الأطماع تبادر في استخدام المواجهة المباشرة، وتلجأ للخيارات العسكرية، وهي مسألة قد تمنح الأطراف المستهدفة فرصة للمواجهة ونسبة متفاوتة في إمكانية الصد والرد، باعتبار أن الداخل متوحد ضد المعتدي، لكن إستراتيجية «القوة الناعمة» القائمة على «حرب الأفكار» وصناعة طوابير العملاء، هي إنهاك للداخل، وبدء للحرب من جسد المستهدف نفسه، وإن تآكلت قوة المنظومات الدفاعية، فإن المواجهة العسكرية في النهاية نسبة تحقيقها لهدفها ستكون عالية جداً، إن لم تكن في حالات محسومة.

بالتالي نعم، رأس الإرهاب هو الهدف الذي يجب قطع دابره، لكن قبل ذلك، لا بد من بتر أعضائه، ونسف قواعده الخفية، وإسقاط عملائه الذين يحاربون عنه بالوكالة.