عندما نتكلم عن مبدأ هام من المبادئ التي ترمز أو توحي إلى الديمقراطية فإننا نعني به مبدأ احترام الأديان والعقائد، وعندما نبحث عن ذلك بين الدول نجد أن مملكة البحرين هي من أوائل الدول التي عاشت تجربة التعايش السلمي بين الأديان بل مارسته بكل معاييره متخذة من مبدأ الاحترام هدفاً لتحقيق التعايش في المجتمع الواحد. ربما يكون مفهوم التعايش السلمي وحرية الأديان مفهوماً جديداً عند بعض المجتمعات، لكن بالنسبة إلى المجتمع البحريني فهو مجتمع رائد في التعايش مع الجميع باختلاف دياناتهم وألوانهم وجنسياتهم منذ مئات السنين لما في تكوين الجزيرة البحرينية «أرض الخلود» من عناصر رئيسة في هذا التعايش، فهي جزيرة ترحب بجميع الشعوب وجميع الأديان، مارس من وطأت قدمه أرض البحرين كامل حقوقه الدينية والعقائدية ومازال على ذلك.

البحرين قبل الإسلام كانت جزيرة عربية تعبد الأصنام مثلها مثل القبائل العربية في شبه الجزيرة، إلى أن دخل نور الإسلام على بلادنا ولله الحمد، لكنها ظلت متنوعة الأديان مثلها مثل المدينة المنورة ومكة المكرمة، فهناك أقوام لم تدخل الإسلام بل بقيت على دينها المسيحية واليهودية وغيرها، لذلك كان الانسجام التام بين المذاهب والأديان في البحرين، وكان التعايش المجتمعي يسوده الحرية والتفاهم حيث كانت تجمعهم «الإنسانية» والمواطنة الصالحة، فهي أيضاً مخرج سامٍ لمعنى التعايش السلمي، غرسه أصحاب القيم والوطنية، وأثبت أن الترابط في أي مجتمع متعدد المعتقدات تجمعهم أساسيات عظيمة ولا تتعدى على ديانات وعقائد الآخرين، فالأرض وحب الوطن يجمعان الجميع من أجل السلام والهدوء والاستقرار.

تصدير الثورة الخمينية من أجل قيام ثورات مشابهة لإيران إلى البحرين وإلى منطقة الخليج كان له الأثر السلبي على المنطقة خصوصاً وأن الإسلام لا يدعو إلى الدولة الدينية بعكس فكر وأيديولوجية نظرية «ولاية الفقيه» التي تعد غريبة على المذهب الشيعي، وهناك من الطائفة الشيعية الكريمة من يرفض فكر نظرية «ولاية الفقيه»، لكن هناك من انساق وراء ذلك المبدأ، مما أعطى فرصة ذهبية لمن لديهم دوافع إرهابية وفوضوية وأطماع سياسية إلى أن يعبثوا في الوحدة واللحمة الوطنية، وكانت المؤامرة الكبرى على البحرين في 2011 التي سريعاً ما انكشفت، وظهر أذناب الإرهاب، وانكشفوا من خلال التفاف جميع مكونات المجتمع بما فيهم أصحاب الديانات والعقائد المختلفة حول قيادة البحرين حفظهم الله، فتصدير الثورة الخمينية تعني التعدي على حرية الآخرين في اعتناق العقيدة والمذهب، وتعني إلزام الشعوب بفكر «ولاية الفقيه»، بعيداً عن مبدأ احترام الأديان والتعايش السلمي.

مملكة البحرين تفخر بأن يعيش على ترابها كل الطوائف والمذاهب بل تفخر بأن يصل أشخاص من تلك المذاهب والطوائف إلى مناصب قيادية رفيعة على مستوى البحرين ليمثلوها أمام المحافل الإقليمية والدولية.

البحرين لا تنظر إلى عقائدهم بقدر ما تنظر إلى كفاءاتهم ومواطنتهم الصالحة لهذه الأرض الطيبة، وهو المقياس الذي يجب أن يقاس به المجتمع حيث العطاء والإيثار في حب الوطن. البحرين أيضاً أعطت مساحة شاسعة لممارسة الأديان فمثلما تنتشر مساجد المسلمين للطائفتين ومآتم للطائفة الشيعية، هناك كنائس ومعابد يمارس فيها غير المسلمين عبادتهم بكل حرية، لا ينقص المملكة شيء غير أن يكف من يحاول أن ينفث سموم الفرقة بين النسيج الواحد.

إنشاء مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي صورة جميلة تعكس المجتمع البحريني الحقيقي، وهذا المركز سوف يرد على الكثير من التساؤلات حول التعايش الجميل في البحرين، وسوف يحقق الأهداف والمساعي النبيلة التي تبذل من أجل مجتمع مستقر يسوده الخير والمحبة.