العرض العسكري الذي نفذه «الحرس الثوري» الإيراني في مياه الخليج العربي الأحد الماضي قال عنه أحد قادته «إن الهدف من هذه الخطوة هو استعراض مدى جهوزية الوحدات البحرية للذود عن مياه البلاد» مشيراً إلى «مشاركة اكثر من 110 من السفن المزودة بالقاذفات وراجمات الصواريخ البعيدة المدى والمتوسطة المدى والقصيرة المدى وسفن زراعة الألغام ودوريات الاستطلاع والدفاع الجوي والإسناد والإمداد»، فما يهم إيران من هكذا استعراض، ومن هكذا ذكر تفصيلي للأسلحة وأنواعها ومداها، هو التأكيد على «جهوزيتها لصد أي عدوان محتمل» (...). وفيما بدا أنه استعراض آخر أقيم على هامش ذلك الاستعراض معرض «لمعدات وقدرات القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية»، «إيران تقول إنها أطلقت على يوم الثامن من أكتوبر اسم «يوم القوة البحرية لحرس الثورة»، تأكيداً لتحديها للولايات المتحدة، ففي مثل ذلك اليوم قتل أحد جنودها من قبل بوارج البحرية الأمريكية في الخليج العربي في ما وصفته بالمواجهة بين الطرفين».

ولأنه لا أحد يمكنه تصديق أن قوات البحرية الإيرانية تستطيع مواجهة الولايات المتحدة وأن هذا الاستعراض هو «لتخويفها»، كون الفارق بين القوتين شاسع، لذا يسهل القول بأن غاية إيران من ذلك كله هو استعراض عضلاتها بغية توصيل رسالة مفادها أنها الأقوى بين دول المنطقة وأن أي مواجهة بين قواتها وقوات السعودية مثلاً ستكون لصالحها «ألا يكفي دول المنطقة أن تراها وهي تضايق البحرية الأمريكية وتستفزها وتدخل معها في مواجهات؟!».

هذا الاستعراض والاستعراضات الأخرى المتمثلة في الإعلان «يوم وترك» عن صاروخ جديد ينضم إلى منظومة صواريخها الغاية منها هي إيهام دول مجلس التعاون، والسعودية على وجه الخصوص، بأنها يمكن أن تواجه «وحشاً مفترساً» لا يعرف الرحمة إذا فكرت يوماً في اتخاذ خطوة يمكن أن تفسرها إيران على أنها تدخّل في شؤونها أو دخول إلى مياهها الإقليمية. المثير أن إيران مستمرة في هذا التفكير من دون أن تنتبه إلى حجم القوة الخليجية والسعودية والاتفاقيات التي تربط بين هذه الدول والولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الذين هم وحش مفترس ولكن حقيقي يمكن أن يلتهم إيران بمن فيها ومن عليها في وقت قصير.

الأفضل من كل هذا الذي تفعله إيران وتتسبب به في زيادة حالة الفقر التي يعيشها ملايين الإيرانيين اليوم بحرمانهم من حقهم في الثروة وتوجيه الأموال الطائلة لتطوير أسلحة يمكن أن تصير خردة في لحظة، الأفضل لها ولشعبها تطوير علاقاتها بدول مجلس التعاون وتوفير الأمثلة على صدق نواياها بعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول وبإعادة الجزر الإماراتية التي احتلتها واستولت عليها وترفض حتى التفاوض بشأنها وترفض التحكيم الدولي، فمثل هذه العلاقة يمكن أن توفر عليها الكثير وتربح منها الكثير وتجعل منها «أخاً وصديقاً» بدل أن ينظر إليها على أنها عدو ومرشحة لتصير عدواً أبدياً، ففي دول مجلس التعاون خير كثير ويمكن لهذه الدول أن تنتشل إيران وشعبها في حالات الضيق والوقوف إلى جانبها في الظروف الصعبة.

لكن هذا للأسف لا يمكن أن يحدث لأن إيران لا تريده أن يحدث ولأن العقلية الفارسية لا يمكنها أن تستوعب أفكاراً وتوجهات خيرة كهذه، ومن يتابع تصريحات المسؤولين الإيرانيين اليومية لابد أن يتبين أنها لا تخرج عن التصريح المنسوب للناطق باسم خارجية إيران وملخصه «سيكون رد فعلنا صارماً وساحقاً إذا صنفت أمريكا الحرس الثوري منظمة إرهابية»، فإيران هكذا منذ أن صارت تحت حكم الملالي، وستظل هكذا تغوص في الوهم وخداع النفس حتى تأتي لحظة الغضب عليها من كل مكان، فلا تجد ناصراً ولا معيناً، ولا تجد مخرجاً ولن يكون أمامها سوى الندم.