* تعقيباً على مقال الأسبوع الماضي عن المغفور له بإذن الله عبدالله العبيدلي، وردتني هذه السطور الجميلة لأستاذنا الفاضل محمود محمد عبدالغفار ـ أمد الله في عمره ـ يقول فيها: «الله يرحم ويغفر للأخ عبدالله إبراهيم العبيدلي، لم تجمعني به فترة الدراسة عند المطوع أو في المدرسة، وليس من سكنة فريجنا، ولم أتعرف عليه في مكان عمل، ولكن أخلاقه وطيبته وابتسامته وحسن عشرته وابتداره بالسلام على من يلتقي بهم، تجذبك إلى التقرب منه والاستئناس بصحبته، هو يشعر الآخرين بأنه يعرفهم، وهذا هو جمال الأخلاق وسر الجاذبية وروعة الحميمية، هذا الأخ الكريم ـ رحمه الله وغفر له ـ انطبعت صورته المحببة في ذاكرتي منذ سنوات العمل مدرساً في مدرسة عمر بن عبدالعزيز عام 1967. ومنذ ذلك التاريخ ألتقيه في المساجد الواقعة في الحالة وفي فريج الزياينة، وفي بعض المجالس، وألتقيه في أسواق المنتزه بعد صلاة الفجر، قليل الكلام لم أسمعه مرة واحدة رافعاً صوته، ولم أشاهده منفعلاً أو صاخباً، وحين شاهدت الجموع الكثيرة التي شيعته في مقبرة المحرق والتأثير البادي على وجوههم أدركت أن المغفور له بإذن الله تعالى الأخ عبدالله كسب قلوب الأحبة في حياته، وسجل عملاً صالحاً في صفحته، وغرس نباتاً حسناً ينزل معه في قبره، اللهم فارض عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأسكنه فسيح جناتك مع عبادك الصالحين».

* شاءت الأقدار أن يواصل القلم مداده بكلمات متناثرة للحديث عن أحباب افتقد سيرتهم فجأة في دنيانا.. شاءت الأقدار أن يرحل صاحب «بوهاني» الذي أحبه وتواصل معه، بعد أسبوع واحد فقط من وفاته.. رحل الأستاذ المربي خليفة علي البنجاسم أحد رجال التعليم بعد حياة زاخرة بالعطاء، وسيرة عطرة ما زالت ذكرياتها عالقة بالأذهان.. حرص الأستاذ خليفة على حضور جنازة صاحبه عبدالله العبيدلي مشياً على الأقدام في مقبرة المحرق وفاء له.. وختم حياته برحلة الحج الإيمانية، وقد أكرمني المولى الكريم برفقته في هذه الرحلة فقد صحبته في نفس الباص الذي كان يرتاده، والمجموعة التي كنا نتنقل من خلالها لأداء المناسك.. كما عملت معه في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين بدءًا من عام 1998 حينما كنت مدرسًا وكان حينها مديرًا للمدرسة، فكان يتصف بروحه المرحة وقيادته الرشيدة وتوجيهه الأبوي الحاني وابتسامته التي لا تفارق محياه.. عرف بحبه وقربه من الجميع ووجهه المشرق الذي يقابلك به كلما التقيته.. رحمه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه وجميع محبيه الصبر والسلوان.

* سوانح التجارب الحياتية ومواقف الأيام تدك حياتك تأثيراً وتربية، وتحيط نفسك بشواهد تدفعك للتغيير اليومي الذي لا تتنازل عنه في ظل زحمة الحياة وتسارع الأيام وقرب ساعات الرحيل.. ألازم دوحة نفسي كلما سنحت لي الفرصة لأكون ضمن دائرة التجارب.. حتى أراجع ذلك الفتور والكلل والملل والسآمة التي تنسج خيوطها على نفوسنا بين الفينة والأخرى.. ألازم تلك المساحات التي تحتاج إلى تغيير.. وأرغم نفسي على استلام مبادرة التغيير الذاتي حتى لا أكون يوما ما فريسة سائغة لسهام الغدر الحياتي التي تأتي على حين غرة.

* عندما تفترش فصول خبراتك الحياتية أمام الآخرين وبخاصة في طريق من تحبهم وتشتاق للعيش بين أكنافهم، فإنك لا ترغب حينها أن تكون كرة تتدحرج في حياتهم حتى تصيب مرماهم في كل حين.. ولا تسعى بأن تطال حكمتك حياتهم فيعتقدون بأنك المارد الذي ترتعد منه فرائصهم!! بل لعلك أحببت أن تكون ذلك القلب الحنون الذي يحتضنهم، والنفس الساعية لتطوير قدراتهم وإصلاح طبائعهم وإدارة حياتهم حتى تعيش معهم في كنف المحبة الغامرة، والسكينة التي تعشقها النفوس من أجل العيش بسلامة نفسية في محطة مؤقتة ننتقل بعدها إلى محطات الآخرة.. عندما تفترش تلك الخبرات فإن الجانب الأهم الذي ترنو إليه نفسك أن تحظى باحترام متبادل وبتقدير لعطائك الحياتي، لأنه يحز في نفسك كثيراً أن تلاحظ على وجوههم علامات الوجوم والدهشة والاستغراب، وعلى تصرفاتهم تصيد عثرات الطبائع النفسية.. وحتى تنجو نفسك منهم عليك أن توطد نفسك في مساحات الطمأنينة «وحلو الحياة» والتغافل والتسامح وتغيير أسلوب التعامل وفرش خبرات التأثير الحياتية لمن يستحقها.

* لا تترك الحديث عن الأثر في حياة البشر لأنه محور التذكير في كل مقام ومقال، ومحور العيش في حياة العطاء والأثر في محيط كل من تتعامل معه.. فلا تقف تحديات نفسك أما معترك الضغوطات الحياة وممرات الفشل، بل كن أكبر من ذلك.. لأنك قادر على العطاء الأكبر في كل ميدان تحط رحالك فيه..

* تعجبني شخصيات بعض الموظفين الذين أتعامل معهم في محيط العمل بأنها شخصيات إيجابية قادرة على تغيير سلوكها وطبائع حياتها وأسلوبها في العمل، ولكن الفرصة لم تتح لها.. حيث انشغلوا في مسير الروتين الحياتي الممل الذي جعلهم عرضة للجمود النفسي.. تعجبني تلك الشخصيات التي لاحظت التغيير الفاعل في شخصياتها عندما أتيحت لها الفرصة للتدريب والتعبير عن المشاعر، وكانت أمام محطات مهمة للتحدي أجبرتها بالتقدم خطوات أكثر لكي تعبر عن السعادة الحقيقية، وحتى تعي جوانب القصور في نفسها، لتنطلق من جديد إلى عالم الإبداع والتغيير وترك الأثر ورسم الابتسامة على وجوه المحتاجين والأخذ بأيديهم إلى عوالم الخير.

* يبكي المرء أحياناً عندما يتذكر ذكريات مؤلمة تمر في مخيلته، أو لحظات مؤثرة عايشها مع أهله وأحبابه وأصحابه.. والأجمل ذكريات الوالدين العزيزين.. فإن كانوا أحياء.. فالزم أقدامهم وتلذذ بأوقاتك معهم.. وإن رحلوا عن حياتك.. فاستغفر لهم وسل المولى الكريم أن يجمعك بهم في الفردوس.. تلذذ بأوقاتك مع من تحب.. قبل أن تندم عندما تحل ساعة الرحيل..

* ومضة أمل:

لا تتأخر عن خير تقدمه للآخرين.. فلا تعلم متى تأتي ساعة الرحيل «لكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون».. وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».