انطلاقاً من الجهود المتواصلة التي تبذلها أجهزة الدولة كافة ، وبخاصة الأمنية منها ، بغرض صون الأمن الوطني وحماية منجزات شعب الوطن الكريم، تنفذ البحرين التمرين الوطني المشترك لمكافحة الإرهاب "حرس المملكة 1"، اعتباراً من مساء 5 ديسمبر وحتى صباح 6 ديسمبر الجاري.

وتبدو أهمية التمرين الذي يجمع قوات من قوة دفاع البحرين ووزارة الداخلية والحرس الوطني، من كونه يعد واحداً من أبرز جهود البحرين الميدانية لمواجهة خطر الإرهاب ، حيث يعتمد التمرين فرضية لاعتداء إرهابي على مجمع تجاري في منطقة السيف، وكيف يمكن أن تتعاطى معه أجهزة الدولة المختلفة، سيما الأمنية منها.

وكان العميد الركن سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة قائد الحرس الملكي قد تفقد طابور الجاهزية للقوات المشاركة في التمرين الوطني المشترك لمكافحة الإرهاب، وذلك للاطمئنان على حالة الاستعداد والجاهزية ، وضمان تحقيق التنسيق الكامل بين عناصرها عند حدوث أي طارئ يستهدف الأمن الوطني ومكتسبات الشعب ويستوجب التعامل معه بالسرعة والفاعلية اللازمة.



ويعد التمرين الأول من نوعه في المملكة بهذا الحجم والطبيعة ، حيث يستغرق 10 ساعات تمتد حتى الساعات الأولى من صباح الـ 6 من ديسمبر 2017، ويجسد في الحقيقة حجم التناغم والتفاهم بين أجهزة الدولة كافة في مواجهة خطر يعد الأهم والأكبر في الوقت الحالي، إذ لا يجمع التمرين قوات مقاتلة من أجهزة مكافحة الإرهاب فحسب ، لكنه يضم أيضاً النيابة العامة كمشرع قانوني .

لكن أكثر ما يميز هذا التمرين المشترك ويزيده أهمية في الوقت الحالي ليس فقط التوقيت الذي يجري فيه، أو الأجواء والظروف المحيطة به، طبيعة الدور المجتمعي المطلوب لمواجهة خطر الإرهاب واحتمالية أن تمتد أياديه الخبيثة إلى أماكن التجمعات البشرية.

ونظراً للتحديات التي يواجهها عالم اليوم، سيما بعد تصاعد مؤشرات خطر الإرهاب الذي لم يعد يقتصر على أفراد وجماعات تضرب هنا وهناك دون تفرقة، وباتت تحركه دول وأذرع وامتدادات لها تضمر الشر للبحرين ومنجزاتها، فإن التمرين الوطني المشترك لمكافحة الإرهاب يمثل لبنة رئيسية في جهود المملكة للتصدي لأي محاولات للنيل من استقرارها وأمن شعبها الكريم.

ويعبر التمرين المشترك عن رسالة مهمة مفادها أن هناك رجالاً في المملكة قدموا سابقاً أروع الأمثلة في التضحية، وسيظلون على ذلك ما دام في صدورهم قلوب تنبض، وأن أرواحهم ودماءهم كانت وستبقى فداء لهذه الأرض وقيادتها الرشيدة، وهم كالعهد بهم دوما سيكونون دوماً على أهبة الاستعداد للنزول إلى الميدان في أي وقت لأداء واجبهم المقدس ومواجهة شرور الإرهابيين والضرب على أيادي كل من تسول له نفسه المساس بأمن هذا الشعب الكريم ومنجزاته التي حققها على مدار عقود مضت.

واقع الأمر، أن التمرين المشترك لمكافحة الإرهاب "حرس المملكة 1" إضافة إلى أهميته في تحقيق الجاهزية والتنسيق بين الأجهزة كافة، وتأكيده على مدى عمق الروابط التي تجمع الأجهزة الأمنية والعسكرية بالمملكة، وطبيعة الأداء المتكامل فيما بينها، فإنه يكشف عن عدة دلالات محورية:

أولها: يعتبر التمرين حلقة ضمن سلسلة حلقات قامت وستظل تقوم بها المملكة لاستئصال شأفة الإرهاب من جذوره، تشريعيا وسياسيا وفكريا وماليا، بالإضافة بالطبع للجانب الأمني. وتقدم تجربة البحرين في مكافحة الإرهاب نموذجا يُحتذى على صعيد دول العالم أجمع، وليس فقط في الإقليم، بل واستطاعت بفضل رؤية قيادتها الرشيدة التي تنظر للظاهرة من منظور شامل لا يقتصر على بعد واحد فحسب، محاصرة الإرهاب والإرهابيين، وتجفيف منابع فكرهم ومصادر تمويلهم.

وتجني البحرين ثمار هذه التجربة الفريدة والناجحة الآن، حيث تعد المملكة واحدة من الدول القليلة التي تمكنت من وأد ظاهرة التطرف في مهدها بدليل إحباط العديد من المحاولات الإجرامية، والحد من أخطار جريمة الإرهاب وتداعياتها، والكشف عن المتورطين فيها وداعميها والتضييق عليهم وتقديمهم ليد القانون العادلة لمحاكمتهم.

ثانيها: يستكمل التمرين المشترك "حرس المملكة 1" عمليات التدريب المتواصلة التي تتولاها الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، خاصة قوة الدفاع ووزارة الداخلية والحرس الوطني، حيث إن التمرين يغطي جانبا مهما من جوانب التدريبات والتنسيقات الأمنية المشتركة فيما بين الوحدات والكتائب والإدارات المعنية بمكافحة الإرهاب، التي بحاجة دوما للتقويم والمتابعة للوصول إلى أعلى مستوى أداء ممكن.

كما أن التمرين ـ وبهذا الحجم الذي تشارك فيه العديد من الأجهزة ، وسبقه اجتماعات تنسيقية عديدة بتوجيهات من القيادة الرشيدة ـ يستهدف اختبار الجانب العملياتي والميداني على الأرض فيما بين عناصر الأجهزة المعنية ، ويقدم مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه التعاون ليس فقط فيما بين الأفراد المقاتلين وإنما أيضا فيما بينهم وغيرهم ممن يشارك في تقديم الدعم اللوجيستي للعناصر المقاتلة ، فضلاً بالطبع فيما بين كل هؤلاء وأبناء المجتمع كافة من مواطنين ومقيمين

ثالثها : يستلهم التمرين الخبرات والتجارب الإقليمية والدولية الشبيهة التي أثبتت نجاحها في الكثير من المواقع، سيما منها ما يتعلق بالجانب أو البعد المجتمعي في المواجهة، وفي الحقيقة أن هذه الخبرات والتجارب تعول كثيراً على دور المجتمع بمؤسساته ومكوناته المختلفة في قضية مكافحة الإرهاب، وتؤمن بأن مسؤولية التصدي لخطر استفحال الظاهرة لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية وحدها.

صحيح أن الأجهزة الأمنية والعسكرية بكافة مستوياتها ومشتملاتها تعد رأس الحربة في المواجهة، ويقع على كاهلها العبء الأكبر في معركة الإرهاب، وقد نجحت في مهمتها خير نجاح خلال السنوات الأخيرة، وتمكنت بفضل الدعم اللا محدود المقدم لها من أداء واجبها الوطني المقدس وحماية الوطن ومكتسبات المواطنين، لكنها لا تستطيع أن تؤدي دورها بشكل فردي أو في عزلة عن محيطها المجتمعي، أو تلتزم بالمهام الجسيمة التي في رقبتها دون أن يكون هناك دعم مجتمعي دائم لمجهوداتها وتدريباتها أو مؤازرة شعبية متواصلة لخططها وإجراءاتها وتمريناتها.

ويفرض التمرين ـ في الحقيقة ـ مسؤوليات محددة والتزامات معينة على كل فرد من أفراد المجتمع في البحرين سواء كانوا من المواطنين أو المقيمين أبرزها: الوعي بخطر الظاهرة وإدراك ملامحها السيئة ومؤشرات صعودها الخبيثة، والمشاركة بالتالي في الجهود الشاملة التي تبذلها المملكة لمواجهتها.

وقد استقر العمل الدولي على هذه النظرة الشمولية في مواجهة خطر ظاهرة الإرهاب، وأكدت على ذلك الأدبيات والنظريات الأمنية المعمول بها في كبريات الأكاديميات المتخصصة، حيث يجب أن يتحلى المجتمع بأفراده ومكوناته وتنظيماته بالوعي اللازم بأبعاد هذه الآفة الخطيرة وطرق انتشارها وتسربها والسبل الكفيلة بالتصدي لها ومنع استفحال أخطارها واستيعاب وفهم الإجراءات والخطط المتخذة لمجابهتها.