مع نهاية تنظيم الدولة «داعش» في العراق، وكل ما صاحب عملية طرده من انتهاكات جسيمة وجرائم إبادة وتدمير بحق الأبرياء وممتلكاتهم، من طرفي القتال، برزت إلى السطح مشكلة تحول ميليشيات الحشد الشعبي إلى العمل السياسي خصوصاً مع سباق الانتخابات القريبة في العراق، فقادة الميليشيات المشكلة للحشد الشعبي يرون أن ما حققوه من «أعمال» أرضت جمهورهم ومؤيديهم وأوجدت لهم قاعدة شعبية كبيرة، لذا فهم يجدون أنفسهم أمام فرصة كبيرة لا يمكن تجاهلها أو تضييعها، تمكنهم من كسب أصوات المؤيدين في الانتخابات القادمة، وهي فرصة لا يمكن تكرارها في ظل تعقيدات الأوضاع في العراق، وفي الوقت نفسه وصولهم إلى البرلمان يعني فرصة لكسب حصانة قانونية وأكثر من ذلك لأنه سيكون بإمكانهم إصدار تشريعات تحميهم وتحمي بقاء السلاح بأيديهم.

لكن الوضع أعقد من ذلك بكثير، فقادة الميليشيات ليسوا على وفاق مع اللاعبين السياسيين المتواجدين على الساحة منذ 14 سنة، وهم وإن كانوا على وفاق معهم في ساحة المعركة، لكن خارج هذه الساحة هناك تقاطعات كثيرة، وقد تسبب هؤلاء بأحراج من وضع نفسه مظلة لهم، كما هو حال السيد العبادي رئيس الوزراء، الذي صرح أكثر من مرة أنه لن يسمح للحشد بتجاوز حدود العراق والقتال في مكان آخر، لكن الحشد نقل بعض عناصره وقاتل في سوريا بشكل معلن، والأهم من ذلك أن السيد العبادي حصل على دعم أكثر دول العالم العربية منها والأجنبية وحصل على تأييد ودعم دول الجوار العراقي، وتعهدوا له بالدعم السياسي والمالي لبلده المفلس، ويبدو أن حظوظه السياسية كبيرة في الانتخابات القادمة، إلا أن الدول الداعمة له تعتبر ميليشيات الحشد الشعبي ذراعاً لإيران في العراق، وهي تطالبه باستمرار بإنهاء الوجود المسلح في العراق خارج إطار الدولة بما في ذلك الحشد الشعبي، لذا فليس من مصلحته السماح للجماعات المسلحة بدخول العملية السياسية كلاعبين سياسيين.

ليس هو وحده فالشركاء السياسيون الآخرون «العرب السنة والأكراد» كلهم متخوفون من مشاركة هذه الجماعات في العمل السياسي، أضف إلى ذلك أن هذه الفصائل المسلحة ليست على وفاق تام فيما بينها، وهناك خلافات على المناصب داخل قيادة الحشد نفسها، ودخولها في العمل السياسي سيوسع هذه الخلافات لتصبح خلافات على المكاسب والمصالح الشخصية بصورة أكبر بكثير مما كانت عليه، وستنعكس سلبا على الجانب الأمني، كما هو معروف في العراق فإن خلافات الجماعات السياسية تترجم إلى انفجارات وعمليات اغتيال وخطف تطال الأبرياء، فما بالك بخلافات جماعات مسلحة تحولت إلى السياسة، لذلك فإن عملية إعادة إنتاج الحشد سياسياً ليست عملية سهلة أو مقبولة وستجر العراق إلى مشكلات أكبر.

لكن هنا يجب أن يطرح سؤال مهم، ما هو موقف السيستاني من إعادة إنتاج الحشد، خصوصاً وأن الحشد تأسس بفتوى منه بدعوى طرد تنظيم الدولة «داعش» من العراق؟ أما وقد انتفى الغرض من وجوده وتحقق الهدف فهل سيستمر السيستاني بالسكوت عن تطورات تشكيلات تأسست بفتوى منه؟