باريس - لوركا خيزران

ربما حدث لك يوماً أن رغبت بتغيير كل شيء في منزلك، ليس فقط الأثاث بل إعادة تصميم كل شيء، ولكن عند البدء وقفت حائراً فإن الأمر ليس بهذه البساطة، من أين أبدأ؟ ماذا أفعل؟ كيف لي أن أتجنب سوء الذوق؟.. هذا ما استثمره مهندسون فرنسيون ليخلقوا مهنة جديدة في ظل الكساد النسبي في سوق العمل.. وهي مهنة "محارب سوء الذوق في البيوت" التي قد تجد طريقها إلى البحرين التي بدأ كثيرون فيها يحاولون العودة للطراز المعماري البحريني القديم مع إبقاء مسحة معاصرة لا تشوه الذوق التراثي.

في ماضٍ ليس بالبعيد كان ينظر إلى إقحام مصمم ديكور لتجنب سوء الذوق في المنازل على أنه "ترف" لا فائدة منه كما يقول جان فرانسوا الذي بدأ مؤخراً يمارس مهنة "محاربة سوق الذوق بالمنازل" في المدينة القديمة بنانسي الفرنسية، إذ إن عمله يتمثل في مرافقة زبائنه في أفكارهم ورغباتهم، وصولاً إلى اختياراتهم قبل بدء التنفيذ.



ويقول فرانسوا إن "هذا العمل يتطلب مهارات الاستماع، والمعرفة الجيدة بالمنتجات، والاتجاهات في السوق، والإبداع، والذوق، إضافة إلى علم النفس خاصة عندما يكون من الضروري فرض أفكار محددة على العميل لتجنب سوء الذوق".

ويضيف مهنتي تتطلب تدخلاً في كل شيء "إجراء إصلاح داخلي أو إنشاء شامل بما فيه الجدران، التربة، اللوحات، الأثاث، الستائر، ترتيب التحف وطرق عرضها، اللوحات على الجدار، كل شيء في المنزل أنا أتدخل به".

وعن أسباب ازدهار هذه المهنة وإيجاد موطئ قدم لها في سوق العمل، يقول فرانسوا إن "دراستنا للسوق بينت أن كثيرين من سكان مدينة نانسي القديمة يريدون شيئاً مختلفاً من حيث تصاميم منازلهم يجمع بين الطريقة التراثية القديمة بالبناء والحداثة مع تجنب أي سوء بالذوق في الوقت ذاته".

ويتابع "انسجام الألوان والأشكال مسألة في غاية الأهمية للخروج بالنتائج المرجوة، إضافة إلى استثمار المساحات بالشكل الأمثل وإدماج عناصر للديكور تحترم التصميم التراثي من دون أن تنقلب على الأذواق المعاصرة، كما أننا نفرد أهمية كبيرة لطرق توزيع الأثاث الموجود، واختيار ورق الجدران.. إلخ".

ويبدو أن هذه المهنة قد تجد سوقاً رائجة في البحرين التي بدأت تشهد عودة ظاهرة انتشار الطراز المعماري الذي يشبه إلى حد كبير الطراز البحريني القديم واستخدام الألوان المقاربة لألوان المواد التي استخدمت في الماضي كالجص والطين.

وبالملاحظة المجردة يمكن رؤية أن هذه الظاهرة طالت في البحرين بوابات المنازل التى بدأت تتحول من الألمنيوم والحديد المطاوع إلى الخشب العملاق المزخرف بنقوش تراثية، إلا أن محاولة الاستفادة من الميزات العملية للتصميم الحديث مع جمال ودفء التصميم التراثي قد يعرض طالب الميزتين معا لسوء الذوق وطغيان أحد التصميمين على الآخر بشكل منفر بعض الأحيان.

وبالإضافة إلى شكلها وطابعها الفني المميز الذي حرص أبناء البحرين على إحيائه من جديد في الفترة الماضية تتميز أنماط العمارة البحرينية القديمة ببساطة بنائها وملاءمتها للبيئة والمناخ حيث شيدت البيوت البحرينية التقليدية بمواد بناء مثل الأحجار البحرية والطين والجص وجذوع النخيل لبناء الجدران الداخلية والخارجية للمنزل.

وحتى وقت قريب لم يكن من المتوقع أن تعود تلك البيوت كظاهرة تحظى باستحسان كبير لدى العديد من المقبلين على تشييد أو ترميم بيوتهم.

ومن البيوت التراثية البحرينية ذات الطابع المعماري المميز بيت الجسرة الذي شيد بأساليب معمارية تتلاءم مع طبيعة المناخ البحريني الحار فالجدران سمكية لعزل الحرارة الخارجية وفتحات ملاقف الهواء والتي تحيط بسطح البيت تهدف لجلب الهواء البارد إلى الداخل وفتحات التهوية بالغرف تساعد على تجديد الهواء الداخلي كما أن اتساع فناء البيت يرمي لاحتواء التيارات الهوائية كما أن التقاء هذه التيارات بالقواقع البحرية الصغيرة التي تفرش بها الأفنية يلطف حرارة الشمس بالداخل ويضفي على البيت شعوراً بالنقاء والنظافة.

ويعد بيت سيادي بمدينة المحرق من البيوت القديمة التي تعكس الهندسة المعمارية التقليدية وقد اشتهر بزخارفه المتميزة وبمجلسه الذي يعكس الطابع البحريني التقليدي لما يحفل به من نقوش وزخرفة جميلة وشبابيك خشبية متقنة الصنع.

ويعتبر هذا البيت رائعة من روائع العمارة البحرينية القديمة فى القرن التاسع عشر ويمتاز بخواص وتفاصيل فنية بديعة مثل نوافذ الزجاج الملون والسقوف المزخرفة والواجهات المحفورة.

ويمثل بيت الشيخ عيسى بن على في المحرق أيضاً نموذجاً أصيلاً لفن العمارة التقليدي المحلي مع برج الرياح والنقوش الجدارية والشبابيك حيث يعتبر برج الرياح الذي يعد بصمة تقليدية للهندسة المعمارية المحلية من أول أنواع التكييف الجوي المستخدمة.

ويعد التوجه السائد حالياً في البحرين دليلاً على انتعاش الثقافة المحلية رغماً عن العولمة حيث يبقى التراث دوماً مصدراً للإلهام في أذهان المشتغلين في المجالات المرتبطة بالفن ومنها العمارة والديكور بكل ما يحويه من تفاصيل إبداعية.