نشرت وكالة أنباء البحرين تقريراً إعلامياً عن المؤشرات الإيجابية في سوق العمل التي تمس المواطن البحريني، وهي أرقام ممتازة ومفرحة تشكر عليها أي حكومة وتدل على أن هناك جهداً يبذل في تحقيق رؤية 2030 بجعل المواطن الخيار الأفضل للسوق البحرينية، وتلك خطوة إيجابية في التفاعل مع الناس بالأرقام والأدلة والإثباتات، إنما لا أتوقع أن يحدث هذا التقرير الأثر الإيجابي الذي تتوخاه الحكومة من نشره لسبب بسيط جداً هو أن التقرير تجنب ذكر الأرقام الموازية، وهذا التجنب أضعف التقرير، فأضعف أثره، وهذه أكبر نقاط الضعف في الرسائل الحكومية للناس عموماً، إنها دائماً لا تضع نفسها مكان القارئ وتظن أنه سيتلقى أي رسالة ويقبلها كما هي.

القارئ ساخط ومزاجه سلبي بسبب رفع الأسعار ورفع الدعم، فإن أردت أن يكون لك أثر في خطابك معه، فتعامل معه على أنه أذكى منك، حاول أن تستبق تفكيره بوضع نفسك مكانه، ووضع الأسئلة والتعليقات التي يمكن أن تخطر على باله إن هو قرأ هذا التقرير، حينها ستنجح في شد انتباهه وستنال احترامه، ويكتسب تقريرك قدراً من المصداقية.

البحريني إن قرأ تقرير الوكالة سيقول أين هي الأرقام الموازية؟ ذكرت لي أرقام العمالة الوطنية، ولكن أين عدد العمالة الأجنبية؟ كم أجنبياً دخل السوق 2017؟ ما هي رواتب الوظائف التي خلقها السوق؟ الرواتب العليا كانت من نصيب من؟

ذكر التقرير الذي نشر «أن أحد أهم جوانب الاهتمام الحكومي بالموارد البشرية في البحرين هو تلك الخدمات التي تقدم لدعم العمالة الوطنية البحرينية باعتبارها مصدر الاعتماد الأول لعملية الإنتاج والركن الركين للنشاط الاقتصادي برمته ولذلك ليس بغريب أن تمثل البحرين واحدة من بين أهم دول الخليج العربية التي تولي عناية فائقة بقوة العمل الوطنية بدليل أن هذه العمالة بلغ إجماليها أكثر من 157 ألفاً في نهاية الربع الثاني من 2017، يعمل نحو 65.2% منها في القطاع الخاص، ولا يزيد معدل البطالة في البلاد عموماً عن 4% ورغم أن هذا المعدل في الحدود الآمنة والمستقرة المتعارف عليها دولياً» انتهى الاقتباس.

وتجاهل التقرير أن إجمالي العمالة الأجنبية بلغ بنهاية الربع الثاني من هذا العام 606,357 عاملاً بالمقارنة مع 595,151 عاملاً في الربع الثاني من العام الماضي وبزيادة سنوية بلغت 1.9% مقابل إجمالي العمالة الوطنية بنهاية الربع الثاني 157,261 عاملاً بحرينياً منخفضاً بنسبة سنوية قدرها -1.5% بالمقارنة مع 159,711 عاملاً في الربع الثاني من 2016 بينما سجل ارتفاعا طفيفاً بالمقارنة مع 156,782 بالربع السابق.

مجرد القفز على هذه الأسئلة في أي تقرير عن أداء سوق العمل في الأوقات العادية يجعل من الخطاب مشكوكاً في نزاهته فيفقده أثره في الحال، فما بالك في هذا التوقيت؟

مجرد اقتطاعك أجزاء من التقرير وتجنبك ذكر الأرقام الأخرى، سيراه القارئ على أنه استغفال لذكائه مما يزيد ويباعد بين أثر التقرير الإيجابي الذي سعيت له وبينه.

التقرير المنشور يحمل الكثير من الأرقام التي تعد مؤشرات إيجابية وتبين حجم المساعدات والإعانات التي تدفع للعاطلين وللتدريب وهي جزء من النشرة الدورية لهيئة سوق العمل وهي بحد ذاتها بحاجة لمزيد من الشفافية والتفصيل فمثلاً في النشرة «متوسط الأجور» دون جدول تفصيلي لهذه الأجور، إذ لا يمكن أن تتضح الصورة الحقيقية للرواتب إن لم توضع الجداول التفصيلية التي تبين الفارق بين قمة الأجور وسقفها الأدنى، فحين تذكر في النشرة أن متوسط أجر البحريني 405 دنانير في القطاع الخاص فكأنك جمعت راتب مدير البنك مع راتب المراسل في البنك وقسمته على اثنين، وللتبسيط؛ لو راتب مدير ما 4000 دينار، وراتب موظف في البنك 400 دينار، فإن متوسط أجرهما معاً هو 2200 دينار، فالمتوسط كما هو معروف أنك تأخذ رواتب الجميع وتقسمها على عددهم، وهذا الرقم لا يدلك أبداً على واقع الأجور في القطاع الخاص البحريني.

الأرقام التي يحتاجها الناس هي كم عدد من يستلم أقل من 250 ديناراً، وكم عدد من يستلم 300 دينار وهكذا تدرجاً للأعلى حتى نعرف وضع الرواتب بشكل واقعي.

القصد إن أرادت الحكومة أن تشعر المواطن بأن هناك جهداً تبذله على عدة جبهات لتحسين وضعه المعيشي، عليها أن تجعل ذلك نهجاً مستداماً أولاً، وأن تغير من أسلوبها فتحترم عقل المخاطب وتفترض فيه الذكاء ثانياً بأن لا تجمل الأرقام بل تضعها كما هي حتى تكسب ثقته وتكسب تفاعله وتكسب شهادته بأن الحكومة قامت بجهد تشكر عليه، وأن تجعل من القصور تحدياً وتقر به وتشارك به القارئ ثالثاً تفاعلياً لتستمع منه، وأن تتقبل نقده وتمنحه الفرصة بالمشاركة في تقديم رؤيته للحل رابعاً، هكذا نجعل من المسؤولية مسؤولية مشتركة بين الحكومة والناس.