أجرت اللقاء - سماح علام:

بين "غرد يا قلب" و"عاشقة الصمت" حكاية كفيفة ستراوية واعدة.. شابة جامعية تدرس اللغة العربية في جامعة البحرين..

جميلة.. حنونة.. عذبة الصوت.. تأسر من تحدثه بهدوئها الجذاب وطموحها العالي..



بين إصدارها الأول "غرد يا قلب" الذي يحكي قصة حب الكفيف، وبين إصدارها الثاني الذي سيرى النور مايو المقبل "عاشقة الصمت" ثمة حكاية تنسجها فاطمة بخيوط من نور استمدته من نور البصيرة الذي يغلب نور البصر.. لتؤكد أنها ستكون شاهداً على نجاح الكفيف رغم كل التحديات التي تواجهه.

فاطمة أحمد حبيل.. تتحدث عن مفاصل مهمة في حياة الكفيف.. بين طفولة طبيعية مرحة، إلى انتكاسة صحية جعلتها تخسر عينها شيئاً فشيئاً.. لتبدأ مع قدر ظلام العين قصة نور لا ينتهي.. هي بالأحرى نور القلب ونور النجاح والتميز..

تؤمن فاطمة بحق الأمومة وحق الزواج.. وتتحدث عن تفاصيل الحياة الجامعية.. وتبين خوضها لمجال التدريب بوصفها أول كفيفة تحصل على شهادة المدرب المحترف إلى جانب الإبداع في الكتابة.. لتكون بمثابة محطات شكلت في صناعة فاطمة الملهمة.. فهي بحق قصة تختزل الإلهام والنجاح والإصرار وتبين أن كف البصر ليس سوى بوابة لاكتشاف نور أكبر وأهم ألا وهم نور القلب والعقل.

انطلقنا من إصدار وليد وإصدار ثاني قادم.. تقول حبيل: " غرد يا قلب رواية عاطفية تتكلم عن الحب العذري عند الكفيف مستوحاة من الخيال ومن الواقع، فالمجتمع ينظر للكفيف بنظرة تحد من حريته، وتعيق من حراكه الاجتماعي، فهناك نظرة دونية له مع الأسف.. أما عاشقة الصمت فهو إصدار عبارة عن خواطر يحكي سيرتي الذاتية".

ألم تتغير نظرة المجتمع للكيف خاصة والمعاق عامة ؟ سألناها فأجابت: "لا.. فهناك فرق بين التوعية العامة وبين تحويل قناعات الناس.. لأن المجتمع مع الأسف لم يشهد على إنجازات الكفيف، ولم تظهر للعيان بشكل يحدث الفارق في الحياة.. توجد لدينا مواهب غير ظاهرة، ولا يوجد احتضان كامل، فحق الكفيف في الزواج والعيش بشكل طبيعي أمر طبيعي في الاستماع والقراءة عنه ولكن عند الواقع ..هناك من يقف ويرفض".

وعما إذا كان موضوع الحب.. موضوعاً شائك في حياة الكفيف تقول حبيل: "الكفيف كله مشاعر وأحاسيس، فهو يوظف الذكاء العاطفي في حياته.. ومن خلال الرواية أعكس هذا الأمر، ليس من منطلق تجربة شخصية، وإنما من خلال معايشة حالات حب ورغبة في تكوين أسرة ولكن المجتمع يرفض ذلك".

لكن هناك تجارب وزيجات ناجحة؟ استدراك علقت عليه حبيل قائلة: "توجد.. نعم.. ولكن على شكل فردي، فالنظرة العامة ترفض الزواج من الكفيف، ولاتزال هناك حالات رفض من خصوصية هذه الزيجة، فبين القدرة على الاعتناء بالشريك.. وتفاصيل التزين.. والإحساس بجمال المنظر.. ورتم الحياة العامة.. وعلى صعيد المرأة هناك خوف من الاعتناء بالأولاد والخوف من عدم القدرة على الطبخ مثلاً، رغم أن الأجهزة الحديثة تساعد على أداء المهمات الحياتية اليومية.. ولكننا نخاف من التفاصيل الحياتية.. وعن تجربة واقعية، قمت بالاعتناء بابن أختي من عمر الشهرين وكنت أقوم بكل مهمات العناية بالأطفال، وفي حال الحركة يمكن أضع الطفل في غرفة آمنة، وأغلق الباب علي، والنتيجة أن الكفيفة يمكنها الاعتناء بالأطفال بقليل من المساعدة وتجهيز المكان".

فاطمة ورحلة الكتابة

وعن تجربة الكتابة والتأليف تقول: "بدأت تجربة إصدار الكتاب بتوجس.. كانت هناك حيرة في الإعداد له وطباعته وتصميمه وتجهيزه.. كيف سأحصل على الترخيص.. وكيف سأصدر الكتاب.. جهزت المادة وقمت بطباعتها بمساعدة معلمة اللغة عربية زهرة حسن، قامت مشكورة بطباعته على الكمبيوتر.. وهي سر إصدار هذا الكتاب أيضاً ساعدني أحمد العلوي في شق طريق الإصدار الثاني".

وتزيد قائلة: "كلفني الكتاب 500 دينار، فقد طبعته على نفقتي الخاصة... فرغم تقدمي لوزارة الإعلام لطباعته، إلا أن الإدارة لم ترد علي مع الأسف.. كنت أعمل عليه يومياً لمدة 5 ساعات لمدة شهر ونص.. والنتيجة ولله الحمد أن 1500 نسخة قد نفدت في أسبوعين فقط، وهذا دليل على نجاح الرواية".

وتضيف: "الكتاب الثاني هو عبارة عن خواطر.. سيتكفل معهد النور بطباعته مشكوراً.. ففي هذه المساحة سأعرض فيض قلبي.. لأحكي إسقاطات حياتي بالقلم.. أحكي التفاؤل والإصرار والأمل.. أيضاً لدي 5 كتب إضافية منها مجموعة قصصية للكبار وأخرى للأطفال ومجموعة من القصائد الشعرية، ولدي مسرحيات أريدها أن ترى النور على خشبة المسرح".

مشاكل حياتية

تتحدث حبيل عن المشاكل التي يواجهها الكفيف قائلة: "من أهم مشاكل الكفيف اليوم المواصلات.. ويكمن الحل في تسهيل المواصلات، فأسعار المواصلات تستنزف ميزانية الكفيف المتواضعة، والمصاريف زائدة.. هذا بخلاف أن فرص العمل قليلة مع الأسف.. فمن يتخرج يخاف من صعوبة التوظيف.. والشركات لا تقبل ولا تسهل عملية توظيف المعاق بشكل عام.. وفي ظل كل ذلك أحمد الله أن التعليم مكفول ومجاني ووزارة التربية والتعليم تحرص على تذليل هذه الصعوبات أمام كل من يرغب في التعلم والدراسة".

من ظلام العين إلى نور القلب

فاطمة بدأت حياتها معافاة سليمة، حلقت في الضوء، لعبت وركضت إلى أن أتى وقت الاختبار.. فهو ابتلاء من الله عز وجل، تقول فاطمة: "كانت مرحلة الطفولة عادية، كنت طفلة مبصرة تلعب وتركض حتى سن 6 سنوات.. بعدها عانيت من مشاكل صحية في العين، ومع الأسف فقدت نظري تدريجياً من 6 إلى 12 سنة، بعدها أصبحت كفيفة بصر بكف بصر تام.. لقد أجريت لي عمليتان جراحيتان في عيني نفس الأسبوع، وعيني لم تتحمل ذلك.. هو في النهاية سبب، ولكن ربما لو كانت العناية الصحية أفضل لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن".

معهد النور.. وبداية جديدة

لخروج الطفل من البيت إلى المدرسة خصوصية لكنها تزيد إن كان الطفل كفيف بصر، تقول فاطمة: "شعرت بالظلام والوحدة والأجواء الجديدة.. كنت أشعر بالغربة وكرهت ترك أمي ليس في البداية، ولكن ما إن يتعود الإنسان على محيط جديد ويدرك تفهم المعلمين لحالته تبدأ النظرة في التغير.. فلقد مثل معهد النور عالماً جديداً لي".

تزيد قائلة: "عند بلوغي الـ12 سنة فقدت النظر تماماً.. كان الشعور بالضياع.. سواد.. ظلام.. قيد.. اكتئاب.. فقدان التنعم بالطبيعة.. بعدها طبق الدمج، ذهبت إلى مدارس سترة، كرهت الأجواء في البداية، ولكن اكتشفت بعدها معلمات حنونات ساهمن في صقل شخصيتي. واكب ذلك اشتراكي في مركز الموهوبين في المحرق.. وكانت تجربة عميقة لاقيت على إثرها معاملة إنسانية واعتناء وحباً في المركز لا نظير له".

تسكت قليلاً ثم تقول: "هي عين ما صلت على النبي.. إذ كان يقال عني الطفلة صاحبة العيون الوسيعة.. وقد أصابتني العين في عيني مباشرة".

فقدان الأب

عاشت فاطمة اليتم، فقدت والدها في عمر مبكر، وعنه تقول: "كان والدي رحمه الله بحاراً ثم عمل أعمالاً حرة.. بعدها مرض، وبفقدانه فقدنا السند والحنان.. ولكن الأسرة تعوض ذلك، فأمي وإخوتي مصدر احتضان كبير".

وتزيد قائلة: "في المدرسة الإعدادية.. كنت دلوعة المدرسة.. كانت الكتب تتأخر فالحال ليس كما هو الآن، فالطابعة في السابق تحتاج وقتاً، فكنت أقوم بكتابة الدروس في الفرصة، وكانت الطالبات يلعبن أو يخرجن للراحة وأنا أنقل الدروس لأنني أعتمد على الشرح كثيراً.. في هذه المرحلة اكتشفت معلمة اللغة العربية قدرتي على الكتابة والتعبير، فقد كرمتني في المدرسة، وأشادت بقدرتي الكتابية، هنا كانت أول شهادة تكريم أحصل عليها، ثم تلتها شهادات عدة في التحصيل الدراسي، ومن ثم التكريم من وزارة التربية والتعليم أيضاً".

وتردف قائلة: "كنت الأولى على المدرسة، والثانية في معرض الرسم، فقد كنت أرسم ولاقيت التشجيع باستخدام ورق خاص، وتحديد الشكل وحفر الورقة، ومن ثم إكمال الشكل والتلوين في الداخل.. هي مهارة تعلمتها من المدرسة الفاضلة حياة الصياد.. التي مازلت أتواصل معها حتى اليوم.. أيضاً فزت بقصيدة في مسابقة اسمها نور عيني كانت عن حب الوطن .. أيضاً كان للمعلمة حنان ميرزا معلمة اللغة العربية دور كبير في صقل موهبتي.. فقد فتحت لي آفاق الكتابة والإبداع".

من شهادات المدرسة إلى شهادات الحياة

شهادات عديدة حصلت عليها فاطمة حبيل وعنها تقول: "حصلت على أكثر من 200 شهادة.. اليوم أنا ممارس معتمد في علوم التنمية البشرية، ونلت شهادة الكوتش، وساهمت في حل مشاكل الناس، أتلقى مشاكل النساء والأطفال، أصبح صديقة لهم وأعمل على تحسين حياتهم، وهذا العمل يتسق مع ما أريد أن أكون، شخصية ملهمة قادرة على العطاء وصناعة النجاح".

وتضيف: "أكملت دراستي في الجامعة، كانت مرحلة جديدة.. اكتشفت فيها نفسي، وزاد حبي للشعر والإبداع الأدبي، كنت أواجه صعوبة في المحاضرات فبعض الدكاترة يقبلون التسجيل الصوتي والبعض الآخر يرفض.. وهنا كانت مشكلتي في الحصول على المحاضرة فيما بعد.. في المدرسة المعلمة تقف وراء التلميذات ولكن في الجامعة الطالب يركض وراء الدكتور.. وبين الحركة في المبنى والتنقل بين الصفوف وارتياد المكتبة، كلها تفاصيل أحتاج إلى مساعدة الزميلات، والحمد لله استطعت اجتيازها وها أنا في الكورس الأخير قبل التخرج".

طموح يحلق عالياً

وتختم فاطمة حديثها بتوضيح طموحها قائلة: "أطمح في دراسة الماجستير في البحرين والدكتوراه من الأردن، وأن أصبح ملهمة، في عملي وفي شخصيتي.. إن لدي قدوة أقتدي بها ممثلة في د.غازي عاشير فهو أستاذ جامعي كفيف.. أطمح في العمل في وزارة التربية والتعليم.. وشق طريقي في المجال التطوعي والأهلي.. لقد شاركت في أنشطة الجامعة المختلفة، بين فنون القيادة وحفظ القرآن والمهارات الشخصية، شاركت أيضاً في برنامج إعداد القادة".

وتزيد قائلة :" لدي قناة إنستغرام.. ويوتيوب.. قرأت في علم النفس وفي علوم التنمية البشرية، وكلها قراءات أكسبتني مهارات قوتني من الداخل وزادت من عزيمتي.. أيضاً لي تجربة في التصميم بمساعدة صديقاتي، ولكن خضت هذا الجانب، لكي أثبت لنفسي أنني قادرة على صنع كل ما أريده، ولا من حاجز لا يمكن للكفيف أن يتغلب عليه.. وها هو المستقبل أمامي وأنا مقبلة على الحياة بحب وإصرار، فالحياة حلوة".

****************************************

من أقوال فاطمة حبيل

"يُقاس عمر الإنسان الفعلي من اللحظة التي بدأ يكافح الحياة فيها، بدأ يجابه الصعوبات ليعيش، ولا يعني العيش فقط أن ينبض القلب ويعمل الدماغ، بل العيش أن يستطيع الإنسان الشفاء من المرض، التأقلم مع الحوادث، والحياة حياة طبيعية بمتغيراتها من دراسة، وعمل وغيرها".

"أحلم بأن أُبصر كي أرى عين أمي، وحبها العميق، ودموع فرحها من أجلي.. أحبكِ أمي.. أحبكم جميعاً.. أحبكم جميعاً.. وأحب الألم الذي منه يولد الطموح والحلم".

"بعض الأحداث في الحياة تُعتبر المحطة الفاصلة تتغير من بعدها حياة الإنسان وحتى إن كانت بنظره للأسوأ ولكن عليه أن يتذكر دائماً قوله تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".

****************** ****************************

فاطمة أحمد حبيل.. كفيفة من مواليد 1991م.

أول كفيفة تحصل على شهادة المدرب المحترف.

طالبة بكالوريوس لغة عربية بجامعة البحرين، حاصلة على شهادة الفوج العاشر من الموهوبين موسيقياً.

حاصلة على شهادة إعداد مدرب معتمد من بريطانيا وكندا البحرين، وشهادة مدرب المدربين من كنغستون الأمريكية.

ممارس معتمد متقدم .

فائزة في معرض الفن للرسم، وحاصلة على المركز الثالث على مستوى المدرسة الثانوية.

نالت شهادة تفوق في الإنتاج الكتابي والرسم والإحصاء، وشهادة أخرى في مسابقة حفظ القرآن من كلية الآداب جامعة البحرين.