شهر فبراير هذا العام مختلف في الكويت. فبراير هو الشهر الذي عادت فيه الكويت بعد أن قاومت الاحتلال العراقي الغاشم عليها عام 1990. ومن ثم صار فبراير شهراً يحتفل فيه الكويتيون بالتحرير، ويستذكرون فيه آلامهم وجراحهم القديمة.

في السنوات الطويلة الماضية رفع الكويتيون في كل شهر أغسطس من كل عام شعاراً يحمل عنوان «لن ننسى». تحول شهر أغسطس بموجبه إلى شهر تمتلئ فيه وسائل الإعلام والشوارع بصور الغزو العراقي من دبابات عراقية ومبان متضررة وصور للمفقودين الكويتيين. وتعكف القنوات الكويتية على عرض مقابلات لكل من كان حاضراً الغزو من كتاب وصحافيين وجنود ومواطنين كباراً وصغاراً ومن ذوي الشهداء والمفقودين. وكانت الثيمة التي يعمل عليها الإعلام في هذا السياق هي استحضار ألم الغزو كما وقع حينها وإذكاء آثاره كي لا تنطفئ من الذاكرة ومن المخيال الجمعي الكويتي. ثم يعود الكويتيون لينعشوا ذاكرتهم التي لم تنطفئ بعد باحتفالات التحرير في فبراير فتبقى الكويت بذلك على موعد كل ستة أشهر مع ذكرى الغزو العراقي المؤلمة.

وليس من الإنصاف لوم الكويت والكويتيين على حالة الاستحضار هذه، وإن كانت متواصلة لسنوات طويلة، فما مر به شعب مستقر مثل الشعب الكويتي من تشرد وخوف وعذاب لا داعي للمزايدة عليه. إلا أن شعار «لن ننسى» الذي كان يحضر مع كل أغسطس كان شعاراً يمكن من المحتمل أن ينبئ عن مستقبل غير مستقر بين الكويت والعراق في ظل الظروف الإقليمية المتأزمة حالياً، وفي ظل انهيار النظام العراقي، وانهيار الدولة العراقية كاملة، واحتراق الشعب العراقي في أتون مأساة سياسية وإنسانية.

في فبراير من هذا العام عقد مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت الذي جمع فيه مبلغ 30 مليار دولار على شكل مساعدات وديون واستثمارات لدعم الاقتصاد العراقي. وبرغم ما قد يراه البعض من عدم جدوى دعم نظام المحاصصة الطائفية في بغداد الذي يغرق في فساد لا مثيل له في الكرة الأرضية، إذ إن الاستثمار الطبيعي لنفط العراق يجعله غنياً عن أي مساعدات وهبات. ولكن ما يهمني هو تغلب الكويت على الجروح الغائرة، فهي دائماً معروفة بطبيعتها العروبية الداعمة والمساندة للعرب في محنهم وفي قضاياهم العادلة.

وفي الوقت الذي تتأزم فيه معظم العلاقات العربية تخرج لنا الكويت في حالة تقارب وتجاوز للمأزق التاريخي، بما يمثل نقطة ضوء في واقع يزداد عتمة.