في الوقت الذي تظهر فيه الفضائيات «السوسة»، الإيرانية وتلك التابعة لإيران والممولة منها حرصها على حقوق الإنسان وتنادي بالانتصار له وترفع الشعارات الرنانة، تظهرها الغوطة الشرقية على حقيقتها، فتغطيتها لا تشمل الذين قتلهم ويقتلهم النظام السوري بقصفه المستمر عبر الغارات الجوية والقصف الصاروخي والمدفعي، فهي مع النظام السوري مظلوماً وظالماً وكأن أهل الغوطة الذين يستصرخون ضمائر العالم أملاً في تحرك المجتمع لوقف القصف والاعتداء عليهم لا ينتمون إلى البشر.

تلك الفضائيات لا يهمها إن كان النظام السوري أو النظام الإيراني أو «حزب إيران في لبنان» معتدياً، فالمهم هو الوقوف إلى جانب هذه الأنظمة والميليشيات ودعمها إعلامياً لتبييض صورتها وإظهارها في صورة المعتدى عليه. من تابع في الأيام الأخيرة فضائيات «العالم» و«الميادين» وغيرهما من تلك الفضائيات التي تكيل بمكاييل عديدة وتنتصر لإنسانها دون غيره لا بد أنه لاحظ مقدار الجهد المبذول لإظهار نظام بشار الأسد في صورة المظلوم، ولا بد أنه لاحظ سعيها إلى إقناع العالم بأن ما يقوم به هذا النظام المجرم هو ما ينبغي أن يقوم به كل العالم، فهو لا يقتل اعتباطاً وإنما لتستمر الحياة!

أبداً لم تحرك تلك الفضائيات مشاهد العالقين تحت الأنقاض والفقراء الذين هدمت بيوتهم على رؤوسهم، ولا مشاهد القتلى والجرحى، ولا مشاهد الأطفال الذين يصرخون ويستغيثون، ولا مشاهد المرافق الطبية التي لم تسلم من القصف، كل هذه المشاهد تبين أنها لا تعني لتلك الفضائيات شيئاً، فالمهم عندها هو تقدم النظام السوري وانتصار بشار الأسد ومن يدعمه، والانتصار لـ«حقوق الإنسان»!

هذه الفضائيات لم تدعُ إلى وقف إطلاق النار لسبب بسيط هو أن مموليها لا يريدون ذلك، وهي لم توجه كلمة نقد واحدة للقوات الروسية المتواجدة هناك والمشاركة في عمليات القصف، والأكيد أنها ستواصل الترويج للقتلة طالما أنهم تابعون لتلك الأنظمة الخائبة وطالما أن بين المتضررين والضحايا معارضين للنظام السوري.

هكذا هو حال تلك الفضائيات التي تقيم الدنيا ولا تقعدها بسبب مقتل شخص محسوب على النظام السوري أو الإيراني أو «حزب إيران في لبنان» بينما لا يهمها كل ضحايا قصف هذه الأنظمة ومن يقف إلى جانبها أياً كان عددهم ومهما كان حجم الأذى الذي يتعرضون له.

النظرية المعتمدة لدى هذه الفضائيات هي أن الحق في كل الأحوال مع هذا الفريق وأن الفريق الآخر ليس له حتى الحق في الحياة، وبالتالي فإن وقوفها مع هذا الفريق عمل «تؤجر عليه من رب العالمين»!

الراصدون لهذه الفضائيات «السوسة» لا بد أنهم يلاحظون أمراً آخر أيضاً هو أن المصطلحات المستخدمة فيها كلها واحدة، وصياغة الأخبار متماثلة، والأخبار التي تبثها هذه هي نفسها التي تبثها الأخريات وأنها كلها تحمل نفس التوجه والموقف والرأي، وكلها تؤيد طرفاً واحداً هو المحسوبة عليه والممولة منه.

مؤلم أن يكون هذا هو حال الفضائيات التي تحرص على الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان والداعي إلى الحريات وترفع شعارات الديمقراطية وتدعي أن همها الإنسان في كل مكان وأنها ليست طائفية وأنها ضد الانحياز إلى فئة بعينها. مؤلم أن تقف هذه الفضائيات إلى جانب الظالم فقط لأنها تتبعه ويمولها ولأنها يجب أن تقف معه في كل الأحوال وتروج له. هذه الفضائيات تسببت في اهتزاز الكثير من القيم وجعلت الكثيرين يشككون في المبادئ التي تقول إنها تنطلق منها وتدفع نحو اتخاذ موقف من الأشخاص الذين ارتبطت أسماؤهم بتلك الفضائيات.

ليس هذا فحسب، فهذه الفضائيات لا تتردد عن العمل على قلب الحقائق طالما أنه يصب في مصلحة من تتبعه.