أمس كتبنا عن ضرورة إيجاد آلية تمنح الناخب والمواطن «حقه» في «سحب الثقة» من النائب الذي صوت له وخذله، باعتبار أن النائب الذي يقول للناس شيئا في حملات الترشح ثم يخالفه بعد الوصول بسلام للكرسي، ومن يقدم وعوداً وردية ثم ينساها، هو نائب «كذب» على الناس، بالتالي لا يستحق الوصول لمكانه ولا الاستمرار فيه، لأن وصوله تم بـ«الخدعة والحيلة».

كتبنا وقلنا بأنه مثلما كفل الدستور للنواب حقا في مراقبة أداء الوزراء، بل ومنحهم أدوات دستورية قوية في هذا الشأن، تمتد من عملية السؤال مروا بالاستجواب وصولاً عند «طرح الثقة»، فإن الناس من حقها أن تطالب بـ«المعاملة بالمثل»، بحيث تصل لمرحلة طرح الثقة بالنائب الذي صوتت له وخذلها.

يبدو أن كلامنا هذا لم يعجب بعض النواب، وكعادة بعضهم، يحسبون أن الصحافة تقف ضدهم، ويرون في الناس أنهم «جاحدون» بعملهم، وبعضهم يقولها بنبرة مؤسفة «الشعب ما تعرف شنهو يبي»!، رغم أنني أراه سؤالاً مخجلاً أن يصدر من نائب أو اثنين يعرفون تماماً ماذا يريد الشعب، لأنهم كتبوا ذلك ووثقوه في شعاراتهم الانتخابية، وتغنوا به، ووعدوا الناس به، وقالوا لهم بأننا «نبض الشارع».

بعض النواب يقول للصحافة بأنكم «تحرضون الناس ضدنا»، وهذا منطق غريب جدا. إذ والله العظيم وأقسم به تسعاً وتسعين مرة، الناس والمواطنين لا يحتاجون لأي تحريض أو تحشيد ضد النواب، إذ لا يوجد من يحشد ويحرض ضد النواب أفضل من النواب أنفسهم!

نعم، أداء بعض النواب، وعملهم المعاكس لشعاراتهم، وتجاهلهم للناس، ونسياتهم، والمواقف المخيبة التي وضعت الناس في حيرة، هل النائب الذي انتخبته في صفي أم في صف السلطة التنفيذية؟! هذه الأمور كلها «أقوى محرض» للناس ضد النواب.

لكننا في معرض الرد بالمنطق على ما يصدر عن بعضهم، نقول هنا إن عملية التحريض الأخطر هي تلك التي تصدر من بعض النواب أنفسهم، حينما يقوم هذا البعض بالظهور الاستعراضي في الجلسات، وبإصدار البيانات العنترية تجاه قطاعات معينة في البلد، ويمضي بطريقته لتأجيج الناس ضد هذه القطاعات، ويدفع الناس للدخول في دوامة لا تنتهي من نقد الحكومة والدخول في أطوار متقدمة من التذمر و«التحلطم» والاستياء، ثم فجأة يقوم هذا النائب أو ذاك بـ«نسف المسألة» برمتها، أو «بيع القضية» كلها وكأن لا شيء حصل.

هل تريدون أمثلة أم تتذكرون، على عمليات بدل أن تكون مبنية على الأدوات الدستورية، والخطوات العملية الصحيحة، تحولت لأشبه ما تكون بـ«إثارة زوبعة مجتمعية» عبر التصريحات والكلام الذي ينتشر في وسائل التواصل، يبرز بطولة هذا النائب، أو مقولة لذاك، وتهديداً لآخر، وفي النهاية تكون «جعجعة بلا طحين»، لكن امتداد التأثير يصل للمواطن نفسه؟!

أبسط مثال هي التصريحات «العنترية» بشأن تقارير الرقابة المالية، وبشكل سنوي. نسمع ونقرأ ونرى التهديد والوعيد، فنقول «خلاص راح فيها الوزير الفلاني» أو «الله يعين هذا القطاع، سيتم نسفه نسفا»، لكن بعدها لا تجد أثرا للنائب الذي أرغد وأزبد، بل ربما تراه يشرب الشاي في مكتب المسؤول بعدها بأيام. طيب أين التهديد بالمحاسبة، أين التعامل الصارم مع تقارير ديوان الرقابة؟!

مثال آخر والمعني بلجان التحقيق وجمع التواقيع، إذ لم ننس كثيراً من المحطات التي بالنظر لها وحدها يحق للناس أن «يطرحوا فيكم الثقة» ويطالبوا بـ«تغييركم». لم ننس الأعداد التي تتناقص في طلبات الاستجواب، لم ننس الأوراق التي تضيع وتختفي، بل لم ننس الطلبات التي يعلن عنها، وتعطيها الصحافة حجمها من التغطية والمتابعة، ويهتم بها الناس، ثم فجأة تختفي و«يا دار ما دخلك شر»، و«يا مسؤول خلاص براءة» وبدون أسئلة أو تحقيق.

وعليه النائب الذي يتهم الصحافة والكتاب ومحركي الرأي العام بـ«تحريض» الناس ضدهم، نتمنى منه أن يستوعب بأن أداءه وأعماله وكل حرف يصدر عنه، وكل موقف «ضعيف» يسجل عليه، كلها دعوات لـ«التحريض» ضدك وبالأدلة والإثباتات، وهي من صناعتك وحدك.

لنعطِ الناس حق «حجب الثقة» عن نوابهم بالأدلة والبراهين والإثباتات، ولنر بعدها من يظل في موقعه، لأن الناس مازالوا يعتبرونه ملتزما بعهده لهم، متمسكاً بتحقيق شعاراته ووعوده لهم.