باريس - لوركا خيزران

"أي يوم ليس 21 مارس لا يعني لي عيداً للأم ومازلت لا أستطيع تقبل فكرة أن فرنسا تحتفل في يوم آخر.. أبنائي باتوا يعرفون هذا جيداً ولا يجرؤون حتى على معايدتي في غير هذا اليوم"، تقول وجدان هيتي المواطنة الفرنسية من أصول عربية "عراقية"، وهي أم لأربعة أبناء، إذ درجت المنطقة العربية على الاحتفال بيوم الأم في 21 مارس بينما تحتفل به فرنسا في الأحد الأخير من شهر مايو "يوم 21 مارس ليس مجرد تاريخ محدد للاحتفال بيوم الأم بل هو إرث وجزء من ذاكرة وتاريخ لا يمكن أن يتغير بتغير الجغرافيا".

فيما تقول كارول حريق وهي مواطنة فرنسية من أصول لبنانية "لا يهم أبداً التاريخ الذي يحتفل فيه الأبناء بأمهاتهم، المهم هو أن تحس الأمهات بفرحة تذكر أبنائهن لهن والاعتراف بفضلهن.. أنا من تجربتي الشخصية أبنائي يحتفلون بي في 21 مارس وفي الأحد الأخير من شهر مايو".



وعادة ما تحتفل فرنسا بعيد الأم في الأحد الأخير من شهر مايو، إلا أنه في بعض الأحيان يتم إرجاء يوم الأم إلى الأحد الأول من شهر يونيو في حال صادف الأحد الأخير من مايو عيداً قومياً آخر.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه وجدان هيتي أنها ترفض أن يعايدها أبناؤها بغير اللغة العربية، فليس هناك أي جملة مسموحة باستثناء "كل عام وانت بخير ماما"، تقول كارول حريق عندما يقول أبنائي "Bonne fête Maman!"، أشعر بسعادة كبيرة وهي ذات السعادة التي أشعر بها إذا قالوا "كل عام وانت بخير ماما".

وعن هدايا عيد الأم يقول كيفين برنار وهو صاحب متجر عطور "في يوم الأم تزدهر تجارتنا، كما كل الأعياد، لكن في هذا اليوم نحن نرتب كل شيء ليكون مناسباً للأمهات"، فيما قال إداور فيلون وهو بائع بمتجر ألبسة "فيما سبق كانت الحركة التجارية كبيرة جداً في يوم الأم لكن الآن تراجع الأمر كثيراً، الكثير من الناس بدأت ترفض الإسراف في هذا اليوم".

ولا يبذخ الكثير من الفرنسيين على هدايا عيد الأم لعدم تحويله إلى عيد تجاري، رغم أن واجهات محلات باريس يتم غزوها بشتى أنواع الهدايا، كما تسيطر على المدينة مظاهر العيد كما تنتعش تجارة الورود بشكل كبير.

ودرجت العادة في فرنسا على تقديم هدية للأم في كل عام، والهدايا تختلف باختلاف السن والميزانيات، أما في المدارس، يعمل الأبناء كما في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، على تحضير "عيدية" تكون إما بطاقة يرسمها الطفل أو شعراً يكتبه أو هدية يصنعها بيديه.

ويبدو حسب ما يروي الفرنسيون أن عيد الأمهات على الطريقة الفرنسية رأى النور أولاً في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى، ففي الواقع، البعد عن العائلة وخاصة عن الأم دفع العديد من الناس إلى إرسال بطاقات المعايدة الخاصة بالعيد، إضافة إلى إرسال أشعار وكلمات رقيقة ما بين القارتين، وبعد انتهاء الحرب تبنت فرنسا هذا العيد وبدأت بالاحتفال به وخصصت له تاريخاً، إلا أن العيد لم يصبح رسمياً سوى في عام 1928.

وتاريخياً، تعتبر المنطقة العربية مهد فكرة الاحتفال بيوم الأم، إذ يعتبر "الفراعنة" من أوائل الأمم التي قدست الأم، فخصصوا يوماً للاحتفال بها، وجعلوا من "إيزيس" رمزاً للأمومة، وكانت تقام في هذا اليوم مواكب من الزهور تطوف المدن المصرية، ورأى قدماء المصريين أن تمثال "إيزيس" وهي ترضع ابنها "حورس" دليلٌ قوي على الحماية والأمومة.

أما عند "الإغريق"، فقد تم الاحتفال بعيد الأم، خلال احتفالات الربيع المهداة إلى الإله الأم "ريا" زوجة "كرونس" الإله الأب، مثلهم احتفل الرومان، وكان يتم الاحتفال بعيد الأم لمدة ثلاثة أيام من 15 إلى 18 مارس، وهذه الأيام توافق احتفال الربيع لديهم المسمى بـ"هيلاريا".

ويعود الفضل في الاحتفال بـ"عيد الأم" في الوطن العربي إلى مقالة الكاتب العربي المصري الكبير علي أمين، حيث قال "لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق".

وبمجرد قراءة هذه المقالة انهالت خطابات القراء المرحبة بهذه الفكرة إلى جريدة "أخبار اليوم" المصرية، واتفقت كافة الخطابات على تخصيص يوم 21 مارس يوماً للأم في مصر قبل أن يصبح يوماً لـ"ست الكل" في كل الوطن العربي باستثناء دول المغرب.