تظهر واشنطن في عهد ترامب وكأنها مقبلة على مغامرة سياسية كبيرة، أو كما لو أنها ستلعب بكل أوراقها دفعة واحدة فإما أن تكسب كل شيء أو أن تخسر كل شيء. لكن أمريكا تملك كل شيء فلماذا المقامرة؟! وهل دول الخليج تعي دوافع هذا الارتباك الأمريكي؟ وهل هي ملزمة بالرهان على واشنطن فقط؟

يقول ايلبرج كولبي «Colby» نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي للاستراتيجية وتطوير القوات، إن الولايات المتحدة شنت حروبها معتمدة على ثلاث ركائز هي استخدام القوة الصناعية الضخمة، واستخدام القوة النارية المدمرة، والتفوق البحري والجوي. لكن المنافسين الروس والصينيين عملوا طوال العقدين الماضيين على التقليل من هذا التفوق، عبر تحديث عسكريتهم، وتطور مجالات الذكاء الصناعي، والصواريخ فائقة السرعة، بدرجة أكثر من الأمريكيين، وبطريقة تدفع الأمريكيين لتغيير نهجهم في التعامل مع الصراعات المستقبلية. فالتفوق العسكري بين الدول يتم عبر التطور التكنولوجي، والتدريب، والعقيدة القتالية. لكن واشنطن فقدت روح المبادرة مقارنة بالروس والصينيين، بل إن الأمريكيين، يقرون بذلك حتى قال كولبي نفسه «لقد أخذوا نظرياتنا ويجب أن نأخذ نظرياتهم». مقراً بنهاية عصر التفوق ودخول أمريكا عصر التنافس بالتقليد من روسيا والصين. لكن مشاكل واشنطن كثيرة، فهناك تحديات تواجه صناعة السلاح كطول مدة اختبار وتقييم الأسلحة لعقود. وهو طول لا تعرفه صناعة السلاح الروسية والصينية، فقد طورت روسيا عشرات الأسلحة بناء على تجاربها في مسرح العمليات السوري. يقابل ذلك فشل ذريع بتطوير السلاح الأمريكي الذي فشل في هزيمة طالبان منذ 15 عاماً ولايزال الأمر الآخر هو تخاذل صناع «وادي السيليكون» وتجاهلهم فرص التعاون مع الحكومة الأمريكية. فهناك حذر بيروقراطي معيق في واشنطن، وهناك فترات انتظار طويلة جفلت منها شركات التكنولوجيا، وخيـــر مثال أن المقاتلة 35 F تجاوز إنجازها 15 عاماً.

وهنا نستدرك، أن دول الخليج تستورد وتصدر للصين والشرق الأقصى أكثر مما تفعل مع أمريكا، مما يحصر أهمية أمريكا في المجال الأمني فقط. فهل مازالت قادرة على ذلك؟ فيما تصرف الصين مبالغ ضخمة على الميزانية الدفاعية للهيمنة الإقليمية. وتستثمر في الصواريخ بالغة السرعة، وتبني طائرات الجيل الخامس. وتقيم قواعد عسكرية في جزر صناعية بمناطق متنازع عليها في بحر الصين. أما روسيا فقد أظهرت قوتها في «عقيدة بوتين» التي اختصرها في «نملك أسلحة فتاكة» قادرة على اختراق الدفاعات الأمريكية. والذي لم يجد الأمريكيون رداً عليه إلا بقدرتهم على الردع النووي.

* بالعجمي الفصيح:

إذا كانت واشنطن قد مارست التحولات الاستراتيجية بناء على مصالحها، كما فعلت في عصر أوباما، فلنا الحق في القول إننا في الخليج من اخترع الاستدارات الاستراتيجية كل نصف قرن، فقد تحولنا في مطلع القرن الـ20 من العثمانيين إلى البريطانيين والفرنسيين، ولم ينتصف القرن إلا وقد تحولنا من البريطانيين بعد سياسة شرق السويس إلى الأمريكيين، وقد حان الأوان لاستدارة استراتيجية خليجية.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج