هذه بعض الأمور التي يمكن وصفها بالمعالجات "بعد خراب مالطا"!

إذ مع الاحترام الشديد للجهات المسؤولة في البلد، فإن قضية الشهادات المزورة ما كان لها أن تستفحل بهذه الطريقة، لو أننا أوجدنا "الرادع" منذ البداية.

لماذا الإسلام أقر في تشريعاته "قطع اليد" للسارق، وقال رسولنا الكريم حينما أرادوا التشفع عنده بشأن أحد السراق، بأنه لو "فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها"؟! لأن الإجراء الأول هو الذي تقدم فيه "الردع" وتثبت فيه "الصرامة" في التعامل مع الظواهر الخاطئة.

وهنا سأختلف مع وصفي لما حصل بأنه "ظاهرة خاطئة"، إذ الأصح ما يحصل هي "جريمة" تقع ضمن جرائم النصب والاحتيال والقفز على قوانين المجتمع.

الكارثة ليست مرتبطة بأن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص وضع قبل اسمه حرف "الدال"، أو قرن سيرته بشهادة ماجستير أو بكالوريوس والسلام! الكارثة بأن بعضاً من هؤلاء وصلوا لمناصب قيادية في قطاعات حكومية وفي شركات خاصة، بحسب ما كشفته لنا الزميلة "أخبار الخليج" مؤخراً.

مجرد المرور على المسميات الوظيفية للأشخاص الذين "اشتروا" أو "زوروا" مؤهلاتهم العلمية، يصيبك بشعور بالغثيان والغضب والتقزز، خاصة لو كنت ممن حصل على مؤهله وشهادته بتعب ومجهود وسهر واجتهاد ومن جامعات معترف بها محلياً وعالمياً، إذ أوصلنا لهذه المرحلة المتدنية من "الغش" و"الخداع" الذي يطال التعليم نفسه؟!

شهادات مزورة وأختام مفبركة، وجامعات وهمية، لأشخاص بعضهم يعمل في السلك التعليمي، وبعضهم مديرو موارد بشرية، مهندسون، مسؤول بدرجة "بروفيسور" في أحد وزاراتنا الحكومية، وهنا أين اللجنة الحكومية للمؤهلات والتعيينات عن هذه الحالة الخطيرة؟! تخيلوا مسمى "بروفيسور" بالتزوير! وأيضاً بروفيسور في جامعة خاصة، والله قمة الروعة، بروفيسور "مزور" ويدرس طلبة الجامعة! وأيضاً، طبيب عظام شهادته مزورة! ومدير في إحدى المحاكم شهادته مزورة! إلى غير ذلك من الحالات، والتي نجزم بأن ما خفي كان أعظم!

اليوم هذه "المصيبة" من يتحمل مسؤوليتها؟! من يفترض به أن يصحح الوضع، ويعيد الأمور إلى نصابها؟! من عليه أن يسترد حقوق البشر التي سلبها هؤلاء في أي موقع عمل كان، حينما حصلوا عليه بشهادات مزورة؟!

أين عمليات التدقيق "منذ البداية" على هذه الشهادات؟! وهل هناك آلية لضبطها في القطاع الخاص، إن قلنا بأن وضع يد التدقيق الحكومية على القطاع الخاص أمر صعب، ولا يمكن تحقيقه بالكامل؟!

لكن في جانب آخر، ما نشر يفيد بأن هناك أعداداً كبيرة من الموظفين في القطاع الحكومي، وهنا الكارثة؟! كيف حصل هذا؟! وهل هناك ثغرات في عملية معادلة الشهادات، مع أن ما يصلنا من معلومات يشير لحرص وتشديد كبيرين على استيفاء كافة المتطلبات لمعادلة الشهادات واعتمادها، حتى مع الجامعات المعترف فيها، والجامعات العريقة، لا بد من المرور بالخطوات المطلوبة كلها حتى يتم الاعتماد.

هل هناك ثغرات في النظام لدينا مكنت لكل هذا أن يحصل؟! والأهم هل هي ثغرات "مقصودة" يقف وراءها أشخاص، يعملون على مساعدة أشخاص؟! أم هي ثغرات بوضعية "الهفوات" أو "الخلل" في آلية العمل؟!

هذا الموضوع لا بد له من حسم، والحسم لا بد وأن يكون بقرارات فيها صرامة وشدة، فمن يخدع المجتمع كله بشهادة مزورة، ومن يمارس النصب والاحتيال، مكانه ليس على مكتب وفي منصب ويمتلك صناعة قرار في أي قطاع كان، بل مكانه السجن، وقبله التشهير به وفضحه على الملأ، هذا الملأ الذي خدعهم وادعى شيئاً ليس فيه ولا يملكه ولم يحققه.

ولمن يقول لا يجوز فضحهم نقول: لا يملك اللص والسارق أي حقه بالتستر عليه وعدم فضحه حين القبض عليه، فهو مارس السرقة العلنية في حالة تزوير الشهادات، وخرج بوجهه على الناس، بالتالي على الناس معرفة حقيقة خداعه لهم.

الناس تتعب وتجتهد وتنفق أموالاً على رسوم الجامعات في الداخل والخارج، وتسهر ليلها بنهارها لتكتب أطروحات الدراسات العليا، لتحصل على شهادة مرموقة من جامعات دولية معترف بها، أو محلية أثبتت قوتها، ليأتينا بعدها فلان وعلان بشهادات "مضروبة"، اشتراها من جامعة وهمية هنا، أو زورها له خبراء نصب واحتيال هناك، ليحصل بموجبها على وظيفة ومنصب في البلد!

والله يفترض بأن كل بحريني درس في الداخل أو الخارج، وكل ولي أمر صرف أمواله على تدريس أبنائه، يفترض بهم أن يرفعوا قضايا على هؤلاء "المخادعين" واحداً تلو الآخر.

نحن نطلب من الجهات المسؤولة كشف هؤلاء "المزورين" المخادعين على الملأ، فمن يخدع الناس لا يستحق أن يتستر عليه، ولا يستحق إلا المعاقبة بالقانون.

حتى "بروفيسور" تدريس في جامعة، و"بروفيسور" في منصب مسؤول بالحكومة بـ"التزوير"! لا حول ولا قوة إلا بالله.