يبدو أن طموحات روسيا في المنطقة العربية لا تتوقف عند مسألة تعزيز نفوذها العسكري والسياسي في سوريا فقط، بل يمتد إلى دول عربية أخرى. ولم تكتفِ موسكو بحشودها العسكرية في سوريا بل تسعى دائماً إلى تعزيز ذلك الوجود حتى وإن كان بذرائع تختلف تبريراتها بين فترة وأخرى وفقاً لحسابات براغماتية روسية بحتة. وأحدث التعزيزات العسكرية التي قامت بها روسيا كانت بنقل فرقاطتين بصواريخ عابرة من نوع «كاليبر» قادرة على ضرب أهداف على الأرض أو أهداف في سفن، إلى قبالة سواحل البحر المتوسط، وفقاً لما ذكرته صحيفة «كوميرسانت» الروسية. من جانبها، أوضحت صحيفة «إزفستيا» الروسية أن «الأسطول الروسي قبالة سوريا يشمل نحو 10 سفن وغواصتين»، مشيرة إلى أن «الأسطول يضم سفينة إطلاق صواريخ ومدمرة». وبررت روسيا التعزيزات العسكرية الأخيرة التي قامت بها من «أجل التحضير للرد على أي عمل استفزازي تقوم به المعارضة السورية من معقلها في محافظة إدلب»، شمال غرب سوريا، وأيضاً للرد على أي «ضربات ينوي الغرب توجيهها إلى نظام الرئيس بشار الأسد». ويتزامن ذلك مع تحضير موسكو لأكبر مناورات عسكرية تنفذها منذ عقود أطلقت عليها اسم «فوستوك-2018»، بمشاركة نحو 300 ألف جندي وألف طائرة، ومن المقرر أن تنطلق المناورات منتصف الشهر المقبل شرق روسيا بمشاركة الصين ومنغوليا. في السياق ذاته، تناولت تقارير إعلامية عربية ودولية، محاولات روسيا لتعزيز نفوذها في لبنان عبر القوة الناعمة، مستخدمة العنصر الثقافي، قبل الاستعانة بسلاح الاقتصاد، أو النفوذ العسكري، مثلما تفعل في سوريا. ووفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية، «جرى خلال السنوات العشر الماضية افتتاح 9 مراكز ثقافية روسية في مناطق عدة بدعم مباشر من السفارة الروسية أو بمبادرة من لبنانيين»، في محاولة لتعزيز النفوذ الثقافي الروسي في لبنان. ويبدو أن موسكو تخطط لتعزيز نفوذها في لبنان بحذر، يبدأ بالثقافة مروراً بالاقتصاد دون إهمال الجانب العسكري، خاصة وأن لبنان يمثل موقعاً استراتيجياً لوجستياً بحكم جواره من الحليف التقليدي السوري، لاسيما وأنه من المحتمل أن يكون لبنان محطة رئيسة في مسألة إعادة إعمار الجارة سوريا، ودخول موسكو على خط مفاوضات عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم، بعد أن فشلت محاولات التقرب عسكرياً من حكومة بيروت بعدما رفضت الأخيرة عرضاً روسياً بمليار دولار لدعم الجيش اللبناني بالمعدات والتدريب، خوفاً من توقف الدعم العسكري الأمريكي الذي تجاوز 1.7 مليار دولار، منذ انتهاء الوجود العسكري السوري في لبنان قبل أكثر من عقد.

* وقفة:

تعزيز روسيا لنفوذها في الشرق الأوسط يقابله مخاوف منطقية لاسيما أن دعمها البراغماتي لحلفائها التقليديين غالباً ما يكون على حساب أصدقائها حتى وإن أخفت هذا الأمر!!