يعيش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أسوأ أيامه، لاسيما مع تصاعد احتجاجات حركة «السترات الصفراء»، التي دخلت شهرها الثاني، على وقع فوضى كبيرة، ونذير سوء، بكارثة اقتصادية تضرب بلاد الحرية، قبل أسبوعين من الاحتفالات بعيد الميلاد «الكريسماس»، فيما جاء الهجوم الإرهابي في ستراسبوغ شرق فرنسا ليصب الزيت على النار، ويزيد آلام فرنسا، التي وقعت بين فكي الرحى، حيث أصبحت بين ليلة وضحاها في وضع لا تحسد عليه، وهي تبدو بين مقصلة «السترات الصفراء»، وسندان «الإرهاب الأسود».

وكان لافتاً إطلاق مصطلح «السترات الصفراء» على المتظاهرين، ذلك لأنهم بدأوا احتجاجاتهم وهم يرتدون السترات الصفراء التي يفرض القانون الفرنسي وجودها في أي سيارة، لاسيما وأنها لابد وأن ترتدى ليلاً على الطرق لكي توضح الرؤية لقائدي السيارات المارة ومنع وقوع حوادث، حيث انطلقت الحركة قبل 4 أسابيع، للاعتراض على قرار الحكومة الفرنسية بزيادة ضرائب على وقود الديزل، الذي يستخدمه بشكل واسع سائقو السيارات في فرنسا وظل لوقت طويل يحظى بضريبة أقل من بقية أنواع الوقود الأخرى، في حين أسفرت الاحتجاجات الدامية، التي اندلعت في 17 نوفمبر الماضي، عن مقتل 3 أشخاص، وإصابة المئات، واعتقال الآلاف، إضافة إلى أعمال الشغب والعنف، والتي صاحبتها عمليات نهب وسرقة للمتاجر والمحال التجارية.

وإذا كان مراقبون ومحللون قد اعتقدوا أن فرنسا ربما لن تعيش أياما أسوأ من عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرانسو هولاند، إلا أن الواقع يقول إن ماكرون يواجه أياماً صعبة، ربما تجعل قبضته تهتز، أمام انتفاضة «السترات الصفراء»، وجحيم الإرهاب الأسود.

ويبدو أن الخطاب الأخير لماكرون «رئيس الأغنياء»، كما يصفه المحتجون، لم تقنعهم، بإصرارهم على استمرار الاحتجاجات، وتحقيق مطالبهم التي يؤكدون تمسكهم بها، والتي تمثلت في إصرارهم على تراجع الحكومة عن قرارها زيادة الضريبة على الوقود وإلغائها بشكل نهائي، وتحسين أوضاع المعيشة، وخفض الضرائب، وإيجاد حل لهبوط القيمة الشرائية، في إشارة إلى التنديد بالسياسات الاقتصادية لحكومة رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب.

وحاول ماكرون جاهداً أن يسترضي المحتجين عبر إجراءات أعلنها في خطابه الأول منذ اندلاع الاحتجاجات الدامية، قبل يومين، حيث وعد بزيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو، والذي من المقرر أن يشمل نحو 2.6 مليون مواطن، وإلغاء الضرائب على ساعات العمل الإضافية، وإلغاء الضريبة المقررة على فئة أصحاب المعاشات المنخفضة، ممن دخلهم أقل من ألفي يورو شهرياً، وإلغاء الضريبة على مكافآت آخر السنة، والتي من المقرر أن تشمل 2.3 مليون من العاملين، بينما في المقابل، طالب ماكرون أرباب العمل بدفع علاوات معفاة من الضرائب للعاملين، قبل أن يرفض «رئيس الأغنياء»، إعادة فرض ضرائب عليهم مبرراً ذلك بأن «ذلك سيضعفنا، فنحن بحاجة إلى خلق مزيد من الوظائف»!

وقد أدت الإجراءات الأخيرة لماكرون إلى توجيه ضربة جديدة للاقتصاد، بإعلان خبراء ومسؤولين أن التكلفة الكلية للتخفيضات التي اتخذها الرئيس الفرنسي تصل إلى نحو 8 إلى 10 مليارات يورو، ما يضع فرنسا على حافة تجاوز حد الـ 3 % الذي وضعه الاتحاد الأوروبي لنسبة العجز في ميزانية 2019، وهو ما حاول رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية «البرلمان الفرنسي»، ريتشارد فيران، أن يقلل من مخاطره قائلاً إن «زيادة العجز ستكون مؤقتة تماماً ولن تكون ضخمة»، في حين لدى حكومة ماكرون نسبة عجز في الميزانية محددة هي 2.8 %، بيد أن فيران يصر على أن «فرنسا ستجد طريقها لإبقاء نسبة العجز أقل من نسبة 3 % في العام المقبل»، وفقاً لما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في تقرير لها.

لكن في المقابل، تشكل تداعيات الآثار السلبية للاحتجاجات والفوضى وأعمال العنف والشغب، تحدياً آخر، لاسيما مع إغلاق العديد من المحال التجارية أبوابها أمام الزبائن، وهو ما دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير إلى وصف العنف المرتبط بتظاهرات «السترات الصفراء» التي تجتاح البلاد بأنه يشكل كارثة بالنسبة إلى اقتصاد فرنسا.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه قبضة ماكرون تهتز، باتت فرنسا أمس الأول، ليلة حزينة، جراء الهجوم الإرهابي الذي وقع في ستراسبورغ، شرق البلاد، ونفذه، شاب فرنسي من أصول عربية، يدعى شريف شيكات، يبلغ من العمر 29 عاماً، ويسكن في حي نودورف، بيد أن الغريب في الأمر، والذي تداولته وسائل إعلام فرنسية، أن منفذ الهجوم الإرهابي، معروف بأفكاره المتطرفة وقضى عقوبات بالسجن في كل من فرنسا وألمانيا بعد إدانته بـ«جرائم صغيرة»، مثل الاعتداء على شاب بسكين، والسرقة بالعنف، وفقاً لوسائل إعلام عربية ودولية.

وتحاول فرنسا جاهدة أن تستفيق من آلام الإرهاب، لاسيما وأن السلطات فرضت حالة الطوارئ بعد الاعتداءات المسلحة الدامية في باريس قبل 3 سنوات تقريباً، حيث شهدت في 13 نوفمبر 2015، أسوأ اعتداء في تاريخها عندما هاجم متطرفون ينتمون لتنظيم الدولة «داعش»، العديد من المواقع، وأسفرت الهجمات الدامية عن مقتل وإصابة 480 شخصاً، حيث كانت من بين المواقع المستهدفة قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية بالدائرة الباريسية الـ11، وحانات ومطاعم و«ستاد دو فرانس» شمال العاصمة.

*وقفة:

تبدو قبضة ماكرون تهتز وهو يعيش أسوأ أيامه مع تصاعد احتجاجات «السترات الصفراء» على وقع جحيم التهديدات الإرهابية وعجز الموازنة الأمر الذي ينذر بكارثة تضر بفرنسا وبسلطة «رئيس الأغنياء»!!