أم تبكي حرقة على ابنها الذي قرر الهجرة لبلد آخر للعمل فيه، بعدما ضاقت على الشاب البحريني السبل، في الحصول على وظيفة بعد تخرجه في عام 2016 من كلية الهندسة الميكانيكية، يؤلمنا مشاهدة نماذج من شبابنا، يتمتعون بقدر من الجدية، قد أصبحوا كالطيور المهاجرة لبلد آخر، بينما تعج بلادنا بوظائف حرمت على شبابنا بأن ينعم بوظيفة يستطيع أن يكوّن نفسه ويبدأ في مشوار الحياة لينعم بتأسيس أسرته الصغيرة ومسكن لائق بعد سنوات صبر واجتهاد في كلية الهندسة كطالب طموح له تطلعات ونظرة مستقبلية لوطنه.

هذا الشاب عمل في مشروع لشركة اتصالات مدته ستة شهور فقط، بعد انتهاء المشروع وانتهاء العقد بين المهندس والشركة أصبح الشاب البحريني بعد ذلك عاطلاً عن العمل، قدم أوراقه لعديد من الشركات، كما قدم أوراقه إلى ديوان الخدمة المدنية ولكن دون جدوى، وقدم للحصول على «بدل التعطل» في وزارة العمل، ولكن لم تقبل أوراقه والسبب كما قيل له بأن الفترة التي عمل بها في الشركة ستة شهور أصبح اسمه مسجلاً في التأمين الاجتماعي برغم أنه عاطل عن العمل، وقدم في معرض التوظيف الذي أقامته وزارة العمل ولكن دون جدوى حتى أصبح يبحث عن عمل في مجاله كمهندس محترم خارج بلده، فلماذا تسمح الجهات المعنية في بلادنا لشبابنا بأن يهاجروا ويتركوا هذه الأرض ليعمرها أجنبي بينما البحريني عاطل عن العمل؟

هل صحيح أن البحريني لا يعمل بإخلاص وجد مثل الأجنبي؟! هل بالفعل ينقص البحريني الولاء والوطنية لذلك لا يجد شبابنا الوظيفة المناسبة لمؤهلاتهم العلمية؟! أم إنها مجرد شائعات ورسائل مغرضة للتشكيك في قدرات الشباب البحريني الطموح. لو كان البحريني لا يعمل بإخلاص لوجدنا البحرين اليوم في صفوف الدول المتأخرة في جميع المجالات. لو كان البحريني لا يعمل بضمير لوجدنا أغلب المشاريع التنموية في حالة سكون، بدليل أن هذا الشاب العاطل عن العمل يبحث بجد داخل وخارج البحرين عن مصدر رزقه حتى لا يكون عالة على مجتمعه ووطنه وأهله. وهذا يجرني إلى تساؤل آخر، هل كل أجنبي يعمل في البحرين يعمل بإخلاص وجد؟! لا شك في أن هناك فئة من الأجانب حرصوا على أن يكونوا أفراداً فاعلين في البناء والتعمير كواجب ديني وإنساني وهناك فئة تتقاعس عن العمل الجاد المثمر وفضلت أن تتسلق على أكتاف الآخرين.

بالفعل، هل تربي الأمهات أبناءهن ويحرصن على رعايتهم لينتهي بهن المطاف إلى أن يترك الشاب أسرته للعمل في الخارج ليبدأ رحلته المجهولة خارج الأرض التي تربى فيها. مؤلم أن تعيش الأم هذا العناء بالرغم من أن هناك من يستطيع أن يرحم شقاءها ويسعدها بسعادة أبنائها. فالحصول على وظيفة من دون واسطة معضلة كبرى، فـ «المحسوبية» و«الواسطة» أصبحت ظاهرة منتشرة في المملكة بل في جميع دول العالم، وكثر هم أصحاب الكفاءات المجهولة، للقيادات، تماماً كما المسؤولين غير الأكفاء في مناصب أكبر من خبراتهم وعلمهم ومحتمل أن تكون شهاداتهم «نص نص».

العاطلون عن العمل أمثال هذا الشاب ليسوا قليلين، في جميع التخصصات، ماذا يفعلون إن كانوا غير قادرين على فتح مشروع تجاري خاص بهم أو لا يريدون إلا العمل في مجال تخصصهم؟ نأمل من الجهات المعنية أن تعتني بالعاطلين عن العمل بصورة صحيحة بعيداً عن البهرجة الإعلامية ومشاريع التوظيف بوظائف لا يرضاها المسؤول لأبنائه وأقربائه. هم في الأخير بحرينيون ومن حقهم على الوطن أن يعملوا ويعمروا هذه الأرض في وظائف تناسب مؤهلاتهم التعليمية. انصفوا شبابنا بتوظيفهم واحتضان طاقاتهم وإبداعاتهم بدل أن يكونوا عرضة لمن يستغل حاجتهم للعمل وللمال.