حوراء مرهون


على مساحة لا تتجاوز 100 متر مربع، تمكّن المزارع البحريني سيد حسين الموسوي من زراعة 400 شجرة بأصناف مميزة ونوعية، زراعة عضوية بمواد طبيعية 100٪، وتركيب نظام ري متكامل ورذاذ للمحافظة على الرطوبة، بعد بحث طويل في مجال الزراعة، ليثبت بأن ضعف الموارد لا يقف عائقاً أمام الشغف.في هذه الحلقة من سلسلة ”شغف“ تسلط عدسة ”الوطن“ الضوء على قصة نجاح ملؤها التحدي والإصرار على تحقيق الطموح رغم شح الموارد.في قلب المحافظة الشمالية بقرية القدم، يبرز سقف منزل متواضع بغطائه الأخضر وأشجار تروي حكاية شغف البحريني سيد حسين الموسوي، الباحث في مجال الزراعة.متسلحاً بالمعرفة والاطلاع، ومستثمراً لكل الموارد البسيطة بدأ زراعة حديقته على سطح منزل العائلة، ووصف لـ ”الوطن“ بداياته قائلاً: ”منذ الطفولة كنت أحب الزراعة، ومنذ عشر سنوات بدأت مجال البحث والدراسة، ولكن لضيق المكان في منزل والدي لجأت للزراعة على سطح المنزل بإعادة تدوير الموارد المتاحة من فلين وعلب صبغ وصابون قديمة وبقايا أطعمة، واستغنيت عن الرمال الثقيلة بمزيج خفيف يتكون من ”البتموست“ و”الكومبوست“ لتحقيق أقصى استفادة من كل شبر في هذه المساحة“.وبعد سنوات من التجريب والتعلم، أصبح سيد حسين واحداً من المتخصصين في الزراعة العضوية في البحرين.فقد زرع على سطح منزله أكثر من 40 صنفاً من الحمضيات، 60 صنفاً من أشجار التين، و7 أصناف من الجوافة في مساحته المحدودة، لكن ذلك ليس إنجازه الأكبر، فقد تمكن من التخلص من الأسمدة الكيميائية والمبيدات، وتطويع المناخ الحار الذي يعرقل زراعة الأشجار المثمرة بتوفير ساعات تبريد .يقول الموسوي:” المكافحة العضوية ليس صعبة والمفتاح يكمن في الحفاظ على التوازن البيئي الطبيعي من خلال استخدام المصائد الفرمونية لمحاربة ذبابة الفاكهة، وغسل النباتات بالماء يومياً.«الوطن» سألت الموسوي عن محتويات السماد العضوي فأجاب: ” كل المواد المستخدمة عبارة عن إعادة تدوير وحماية للبيئة دون أي تكلفة، حيث أستخدم علب الصبغ والصابون لإنتاج الكومبوست فيها، بوضع الخضار والفواكه في برميل وإغلاقه، وكلما تنوعت العناصر أصبحت الفائدة منه أفضل، وبالنسبة لقشور البيض يجب طحنها أولاً قبل وضعها مع المزيج لتتحلل“.وأضاف بأن الزراعة علمته الحفاظ على النعمة، وأصبح يجمع بقايا الطعام من الشارع، ويصنع منها سماداً للنباتات.وبالرغم من أن الزراعة العضوية قد تبدو مكلفة في البداية، يعتقد الموسوي بأن هذه التكلفة تنخفض على المدى الطويل، مستدلاً بتجربته في استخدام سماد البقر والدواجن الذي يعتبر الأرخص والأكثر فاعلية، حيث يكلف شراء 25 كيلو منه دينارين إلى ٣ دنانير فقط.ويشرح أسلوب المكافحة العضوية بالقول إنها :” ليست بالأمر الصعب، علينا فقط أن نوجد التوازن البيئي، وأن تدخل الإنسان في توازن البيئة هو الذي يفسد المكافحة الطبيعية، ويخل بالتوازن البيئي، وكلما زادت الأصناف التي يصنع منها السماد زاد التنوع الفطري فيه، وأصبح أفضل “.ويطرح الموسوي مثالاً للتدخل البيئي:” نحن نقتل الحشرات والزواحف، وربما نقتل عنكبوتاً يفترس نحلة، وهذا بالطبع سلوك خاطئ، لأن ذلك يعد مساً بالنظام البيئي الطبيعي “.ويضيف: تتوفر الأسمدة الرخيصة في البحرين، لكن مكونات التربة مثل: (البيتموست، الكوكوبيت، البوتكس أويل) أغلبها يتوفر بجودة منخفضة في السوق، وهي رسالة للمشاتل للاهتمام بها.ويرتبط الموسوي بعلاقة فريدة بأشجاره قائلاً: ”أحببت الزراعة حد الإدمان، وأعتبر أشجاري من أفراد العائلة، أقضي معهم وقتاً طويلاً، وأفتقدهم حين أسافر وأطمئن عليهم حين رجوعي، وأخاف عليهم لأني أعرف بأن لا أحد غيري يفهم احتياجاتهم حتى مع وجود نظام ري متكامل، ذلك بأن المزارع الذي يهتم بأشجاره يتولد بينه وبينهم إحساس وشعور وقدرة على التفاهم “.ولا يتوقف حلم سيد حسين عند حد سطح منزله، بل يرى في كل شجرة فرصة لتغيير المفاهيم، وإحداث تحول في طريقة تعامل الناس مع الطبيعة والموارد، ويأمل في نشر ثقافة الزراعة المستدامة، وجعلها جزءاً مهماً في حياة الناس اليومية.وفي عالم يشهد تغيرات مناخية متسارعة، وشح في الموارد الطبيعية، يبدو أن شغف الموسوي يضيء الطريق أمام الكثيرين لإعادة التفكير في العلاقة مع الأرض والشجر، وإيجاد حلول بيئية مبتكرة ومستدامة.