في الـ5 من شهر فبراير من كل عام تحتفل البحرين بقيادتها الرشيدة وجنودها البواسل وشعبها الأبي الكريم بذكرى تأسيس قوة الدفاع، وها هي المملكة اليوم تحتفل باليوبيل الذهبي لإنشاء هذه المؤسسة العريقة ، تلك المؤسسة التي تجسد حقيقة ما يقوم به أبناء هذا الشعب للذود عن حياضه والدفاع عن مقدراته في وجه كل من يحاول النيل من ثوابت أمنه ودعائم استقراره.

لقد كانت القوة طوال العقود الخمس الماضية، ومازالت وستظل، الدرع الحامي لموارد هذا الوطن الكبير، والكيان الساهر على حفظ حياة القاطنين فوق أرضه، لذلك فإن احتفال هذا العام بهذا الحدث الكبير يختلف عما سبق من احتفالات، لما لهذه المناسبة من مكانة عزيزة في قلوب المواطنين كافة، ولما تشهده القوة من تطورات ومستجدات ينبغي الاحتفاء بها وتقديرها التقدير الكافي والثناء على من شارك وجاهد من أجل تحقيقها.

ويؤكد احتفال هذا العام بذكرى تأسيس قوة الدفاع جملة من المعاني التي يتعين على الأجيال الجديدة الوعي بها وتذكرها دوماً، المعنى الأول: أن ما قامت به القوة من أدوار في الداخل والخارج ، وما بذلته من غال ونفيس، وتضحية بدماء أبنائها وأرواحهم، هو ما يفسر تلك المكانة التي تحتلها في قلب كل محب لأرض هذا الوطن الوفي.



ولعل من أهم هذه الأدوار المقدرة التي قامت بها وأوفتها حقها، هو التزام قوة دفاع البحرين الثابت وقيامها بدورها الوطني في الدفاع عن حدود الوطن وحمايته والمحافظة على أمنه واستقلاله وسيادته ضد أي تهديد خارجي، ومساندة قوات الأمن العام والحرس الوطني في المحافظة على النظام وسيادة القانون، ودعم ومؤازرة أجهزة الدولة المختلفة في حالات الكوارث والطوارئ والأزمات، والإسهام في تطوير البناء الحضاري للبلاد وحمايته، ناهيك بالطبع عن أدوارها الخارجية ومشاركتها الدول الشقيقة والصديقة في مواجهة أزماتها.

ويكفي قوة دفاع البحرين فخراً أنها أسهمت مع غيرها من أجهزة وأفراد، في أن تبقي هذه البلدة آمنة مستقرة بفضل الله وحمده ومنته، رغم ما مر بالمنطقة من أزمات، ورغم ما يحاك للوطن من مخططات إرهابية. وأثبتت القوة في أشد الأزمات أنها جيش محنك محلياً وخليجياً وإقليمياٍ. ولا يمكن أن ينسى الشعب البحريني الدور الوطني الكبير الذي قامت به القوة في الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين وحماية المنشآت طوال هذه السنوات، وبخاصة عام 2011، كما لا يمكن تجاهل دورها ومشاركاتها مع شقيقاتها وأصدقائها في تثبيت دعائم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.

يشار في هذا الصدد لمشاركات القوة في الميادين المختلفة، وذلك لحماية ناقلات النفط أثناء حرب الخليج الأولى (1980-1988)، وفي حرب تحرير دولة الكويت عام 1990، وفي عمليات الحرية الدائمة في بحر العرب عام 2002، وفي الدفاع عن دولة الكويت عام 2003، وفي عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الخليج العربي عام 2006 وحتى يومنا هذا، وفي الجهد الدولي للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، ولدعم الشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية عام 2015، فضلاً عن المشاركة في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل عام 2015 وغيرها.

المعنى الثاني الذي يعكسه احتفال هذا العام بذكرى تأسيس القوة، ذلك الجهد المتواصل الذي تقوم به القوة لتعزيز بنيانها القوي ورفع كفاءة أجهزتها ومستوى مقاتليها وأفرادها ، وهو جهد دؤوب لم ولن يتوقف بفضل التوجيهات الرشيدة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى، ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، ودعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ، والمتابعة الحثيثة من المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين.

وتتمثل أبرز مظاهر هذا الجهد في التطور الملحوظ في إمكانات القوة، عدة وعتاداً، ولعل إعلان "قوة دفاع البحرين" عن إبرام صفقة تقدر بـ3.8 مليار لشراء عدد 16 طائرة من طراز F16 المطورة خلال معرض الدفاع الأول الذي استضافته المملكة في أكتوبر 2017، يعد دليلاً واضحاً على المساعي الحثيثة التي تقوم بها "القوة" دوماً لملاحقة كل جديد وبغرض تجهيز عناصرها بما يلزمها من احتياجات تستطيع بها مواجهة أي اعتداء على أمن البلاد.

يضاف إلى ذلك الابتعاث للخارج لإعداد وتخريج الكوادر العسكرية المؤهلة لقيادة أفرع القوات المسلحة الوطنية ، والمتابعة الدائمة والزيارات الميدانية التفقدية التي تقوم بها القيادة الرشيدة لمرافق القوة وافتتاح المعسكرات التدريبية وتزويد العنصر البشري بالقوة بكل ما يحتاجه للقيام بدوره المقدس.

ومن ذلك: افتتاح المعسكرات الجديدة، وتخريج الدورات المتقدمة للضباط ، وترقيتهم والجنود ، وغير ذلك مصداقاً لما صرح به حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى مرات ومرات ، وأشار فيها إلى "تزويد قوة دفاع البحرين بأحدث المنظومات العسكرية المتطورة وتأهيل منتسبيها في مختلف مجالات المعرفة المتطورة وعلوم العصر الحديثة تقديراً لما أثبتوه من كفاءة عالية واحترافية مميزة"، حمايةً للوطن ومسيرته الحضارية المباركة.

فضلاً عن إجراء التمارين المشتركة التي تسهم في رفع القدرات القتالية لأفرادها في مختلف أفرع أسلحتها لمواجهة مختلف التحديات، ومنها حرس المملكة واحد والتمرين المشترك مع القوات الأمريكية والتمرين التعبوي المشترك "حمد 2" بنسخته الثانية والذي تم تنفيذه في مياه وأجواء مملكة البحرين والتمرين البحري الجسر الحديدي واحد والتمرين البحري الجسر 18 والتمرين التعبوي مدرار 2 والتمرين المشترك لمكافحة الإرهاب (حسم 1) والتمرين المشترك (خالد بن الوليد 2016) والتمرين التعبوي المشترك "ترابط 13" والتمرين الثنائي المشترك (النمر العربي /3) والتمرين المشترك "مخالب الذيب 2017"، وغيرها.

لقد حققت قوة دفاع البحرين نمواً مطرداً في مختلف أسلحتها لتكون على أهبة الاستعداد للحفاظ على أمن الوطن وسلامته والحفاظ على ما حققته المملكة من منجزات حضارية، وامتدت جهودها لخدمة المواطن البحريني من خلال دورها التنموي المتزايد، كما قامت بدور إنساني عظيم دولياً بالمشاركة في الأعمال الإنسانية والإغاثية في المنطقة والعالم.

المعنى الثالث لاحتفالات هذا العام بالذكرى الخمسين لتأسيس قوة دفاع البحرين يتعلق بحجم الرعاية المقدمة للفرد المقاتل، والتي تكشف عن العديد من الدلالات، أهمها: أن العنصر البشري بقوة الدفاع يحتل أولوية أولى لدى القيادة الرشيدة في إطار منظومة متكاملة لتوفير الرعاية لمنتسبي أفراد القوة، مدى الحرص الذي توليه القوة لأبنائها كي يقوموا بأداء واجبهم المقدس خير قيام، أن تكريم وتقدير مجهودات العنصر البشري بالقوة يمثل حافزاً لمزيد من الفاعلية في الأداء وتعبير عن حجم التقدير والثناء على ما يقدمه أبناء القوة للبلاد.

وواقع الأمر، أن قوة دفاع البحرين لم تغفل طوال الفترة الماضية عن تكريم مجموعات قوة الواجب الخاص تقديراً لمساهماتهم الوطنية ومشاركاتهم ضمن قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة في اليمن، كما أنها لم تغفل الوسائل والآليات التي تراعي كافة احتياجات أبناء القوة بداية من الرعاية الصحية التي تشهد تفوقاً كبيراً، ومروراً برعاية الفرقة الموسيقية العسكرية باعتبارها سلاح روحي مهم، وانتهاء بالدعم المتواصل والاهتمام البالغ بمتطلبات المرأة العسكرية وغير ذلك الكثير.

لقد كان الاستثمار الدائم في العنصر البشري بالقوة وسيلة مهمة لتنمية ورعاية الكوادر الوطنية والارتقاء بها، وذلك على اعتبار أن هذا العنصر هو إحدى الركائز الأساسية للتنمية المستدامة والرؤية الاقتصادية للمملكة 2030. وقد أولت القوة جل اهتمامها بتوفير الحياة اللائقة والعيش الكريم لأبنائها، وبهذا الصدد أنجزت القوة العديد من المشاريع التي استفاد منها منسوبوها، ومنها: المشاريع الإسكانية الخاصة بأبناء القوة وتطوير أبنية الرعاية الصحية واستمرار تزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية، فضلاً بالطبع عن تخفيف الأعباء المعيشية وتوفير أسباب العيش الكريم لهم، حيث تقدم المؤسسة الاستهلاكية والاقتصادية العسكرية حزمة من الخدمات والعروض المتنوعة طيلة العام وفق أسعار تنافسية وفي متناول الجميع.

ولعل تكريم شهداء أفراد قوة دفاع البحرين الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجل وطنهم من بين أهم مظاهر الاهتمام التي توليها المملكة للقوة وأبنائها ، حيث أمر جلالة الملك المفدى بتخصيص يوم وطني للشهيد واختار له يوم السابع عشر من ديسمبر من كل عام، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تخصيص يوم وطني للشهيد يصادف يوم عيد جلوس العاهل المفدى، يحمل الكثير من معان التكريم والوفاء، ومثَّل أكبر هدية وتكريم للشهداء الأبرار الـ9 الذين زفتهم المملكة إلى السماء بعد أن أدوا واجبهم الوطني المقدس، وكان جلالته قد أمر أيضا بتخليد ذكرى هؤلاء الشهداء الأبرار في المناهج الدراسية لما بذلوه من تضحية وفداء في سبيل رفعة الوطن وأمان أبنائه.