كان الرابع من يوليو الحالي هو اليوم الأكثر سخونة على وجه الأرض منذ بدء حفظ السجلات قبل أكثر من 40 عاما، وفقا للعلماء في مشروع تحليل المناخ التابع لجامعة مين في الولايات المتحدة، ومع ذلك يقول علماء إن الأسوأ لم يأت بعد، حيث أن هذا الصيف سيكون لطيفا مقارنة بما ستشهده العقود المقبلة من ارتفاع في درجات الحرارة.

وبحسب موقع "فوكس" فقد تجاوز متوسط 17 درجة مئوية على سطح الكوكب لأول مرة، وفقا للقياسات الأولية التي أجراها خبراء أرصاد جوية أميركيون.



ووفقا للموقع الأميركي، فقد اقترب مؤشر الحرارة هذا الأسبوع في مدينة نيويورك من 100 درجة فهرنهايت (37.78 درجة مئوية)، معتبرا أن ذلك الارتفاع لا شيء مقارنة بدرجات الحرارة البالغة 120 درجة فهرنهايت (48.89 درجة مئوية) والتي طغت على أجزاء من ولاية تكساس في أواخر يونيو الماضي محطمة أرقاما قياسية في ارتفاع الحرارة داخل الولايات المتحدة، مما أجهد شبكة الكهرباء، وأدى نقل الآلاف من السكان إلى غرف الطوارئ لمعالجتهم من أمراض مرتبطة بالحرارة قبل أن يتوفى أكثر من 10 مرضى.

وخلال يوم واحد في نهاية شهر يونيو، كان أكثر من 120 مليون أميركي يخضعون لأحد أشكال تحذير الحرارة، وفقا لخدمة الطقس الوطنية، وبالتالي فإن ذلك شمل أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص في البلاد.

كما تعرضت مناطق خارج الولايات المتحدة لموجات حر شديدفي فصلي الربيع والصيف، ففي أبريل، كانت درجات الحرارة في إسبانيا 38 درجة مئوية؛ ووصلت بعد ذلك إلى أكثر من 43 درجة مئوية في بعض أنحاءالبلاد.

كما حطمت درجات الحرارة في بكين ومناطق أخرى من الصين الأرقام القياسية في يونيو، فيما ذكرت تقارير أن ارتفاع الحرارة ساهم في اندلاع حرائق غابات غير مسبوقة في كندا.

ومع ذلك، ومن منظور علمي، ليس هناك ما يثير الدهشة بشأن الحرارة التي كسرت الرقم القياسي، بل أن ذلك يتماشى تمامًا مع ما توقعه العلماء منذ فترة طويلة في عالم يزداد سخونة بسبب تغير المناخ، حيث تعمل انبعاثات الوقود الأحفوري على تسخين الكوكب ورفده بموجات حرارة أكثر حدة.

وفي هذا الصدد يقول عالم المناخ في جامعة "تكساس إيه آند إم"، جون نيلسن-جامون: "تعتبر درجات الحرارة القصوى (الحالية) من أكثر العواقب وضوحًا لارتفاع الحرارة على مستوى العالم".

وفي السنوات القادمة، من المرجح أن تسوء موجات الحر، مثل تلك الموجودة في الجنوب الأميركي وأوروبا، بشكل عام، ولذلك يرى بعض الخبراء أن هذا الصيف ورغم أنه قد يكون حارًا بشكل لا يطاق، فمن المحتمل أيضا يكون أحد أروع فصول الصيف لعقود قادمة.

لماذا الجو حار جدا الآن؟

على الصعيد المحلي، غالبًا ما تنتج موجات الحرارة - وهي فترة طويلة من درجات الحرارة فوق المتوسط - عن تراكم الضغط العالي في الغلاف الجوي، هذا الضغط يضغط ويسخن الهواء، كما يرى الباحث، أومير أرفان من موقع فوكس الأميركي.

ويقوم نظام الضغط العالي بدفع التيارات الهوائية الأكثر برودة وسريعة الحركة إلى الخارج، كما يدفع السحب بعيدًا، مما يمنح الشمس خط نفاذ خالٍ من العوائق إلى الأرض، وبالتالي ومع تخزين الحرارة في التربة والأسلفت والمباني والإنشاءات الخراسانية، تتراكم الطاقة الحرارية بسرعة مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة.

وتعمل منطقة الضغط هذه كغطاء قدر للطبخ، حيث يحبس الحرارة حتى لا تتبدد، ولهذا السبب غالبًا ما يشار إلى موجات الحرارة باسم "قباب الحرارة" أي أن الحرارة محصورة تحت قبة الضغط.

وتأثير القبة الحرارية هذا هو الذي يكمن وراء درجات الحرارة الحارقة في تكساس.

ومع ذلك، فهناك أنماط أرصاد جوية أوسع بكثير تتسبب في ارتفاع درجات الحرارة في أماكن ومناطق محددة، فعلى سبيل المثال في ولاية، يبدو أن تيارات الهواء الكبيرة سريعة التدفق والتي تسمى التيارات النفاثة شبه الاستوائية والقطبية، تكون تذبذبة ، مما قد يؤثر على كيفية تغطية أجزاء من الولايات المتحدة ببطانيات الحرارة، وفقا لما يقول الباحث أرفان.

وهناك أيضًا ظاهرة النينيو، والتي تحدث عندما تتضاءل الرياح القادمة من الشرق إلى الغرب، مما يؤدي إلى انتشار المياه الدافئة في الشرق، ومن ثم "اختناق" المياه الباردة، وارتفاع درجات الحرارة العالمية.

ويقول العلماء إن ظاهرة النينيو تحدث خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، ويستغرق الشعور بأثرها الحراري شهورا، ما يعني أن من المرجح أن تسجل درجات الحرارة العالمية أرقاما قياسية جديدة في العام 2024، بل أنها ربما تكون قد ساهمت بالفعل في موجات الحر في بداية الموسم في قارة آسيا هذا العام.

والأكثر من ذلك، تحدث كل هذه الظواهر الجوية على كوكب يزداد سخونة، ففي حين يصعب التنبؤ بتأثير ظاهرة النينيو (ونظيرتها، النينيا) والتيارات النفاثة، فإن التأثير الواسع لتغير المناخ واضح جدًا، ومفاده أنه سيجعل موجات الحرارة أكثر شيوعًا وتكون أكثر حدة واستمرارية.

ومنذ فجر الثورة الصناعية، أدت وسائل النقل والمصانع ومحطات الطاقة إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية (حوالي 2 درجة فهرنهايت)، فيما يقول العلماء أن الكوكب الأزرق يتجه إلى تجاوز 1.5 درجة مئوية في غضون سنوات دون انخفاض كبير في انبعاثات الوقود الأحفوري أوانتشار التقنيات لسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

وفي حين أن هذه الزيادة قد تبدو متواضعة، إلا أنها تزيد من احتمالية حدوث حالات الطقس المتطرفة، فعلى سبيل المثال، نما تواتر هذه التطورات المناخية من متوسط موجتين حراريتين سنويا في الستينيات إلى ست موجات حرارية سنويًا في 2010 و 2020، وفقًا لوكالة حماية البيئة الأميركية(EPA).

وفي غضون ذلك، تقول وكالة حماية البيئة إن موجة الحر النموذجية في المدن الأميركية الكبرى باتت تستمر حوالي يوم أطول مما كانت عليه قبل نصف قرن.

ماذا نتوقع لبقية الصيف؟

يجيب نيلسن-جامون، قائلا:"بكل أسف نتوقع المزيد من ارتفاع درجات الحرارة خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر"، كما تتوقع الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي درجات حرارة أعلى من المتوسط في معظم أنحاء الولايات المتحدة، لافتة إلى عدم وجود منطقة من البلاد تحظى بدرجات حرارة معتدلة أقل من المتوسط.

واعتبر نيلسن- جامون أن موجات الحر في أوائل الصيف يمكن أن تؤدي أيضًا إلى حلقة تغذية مرتدة ينجم عنها مزيد من الحرارة في وقت لاحق من الصيف، لاسيما في السهول الجنوبية بأميركا.

وأوضح أنه كلما ارتفعت درجة حرارة الهواء زاد جفاف الأرض، لافتا إلى أن أن الأراضي الأكثر جفافا تفتقر مما يقضي على تأثير الرطوبة المبرد.

والخبر السار، وفقا لنفس الباحث، هو أن علماء الأرصاد الجوية يمكنهم، إلى حد ما التنبؤ بالطقس القاسي، إذ أنهم أظهروا أن العديد من الأماكن ستصبح أكثر سخونة، وبالتالي يمكن للمدن من الناحية النظرية أن تستعد لذلك.

وختم بالقول: "الأداة الرئيسية التي لدينا للتنبؤ بدرجات حرارة الصيف في الولايات المتحدة هي تغير المناخ".