رصدت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مدى قدرة روسيا على التأثير في مسار الحرب مع أوكرانيا من خلال هجمات إلكترونية، واحتمالات أن تؤدي الأنشطة السيبرانية الروسية إلى إقحام الناتو في القتال أو "التسبب في حرب نووية".

وأشارت المجلة، في تقرير نشرته، الاثنين، إلى أنه "مثلما فوجئ الخبراء العسكريون بتعثر الغزو الروسي، فوجئ الخبراء السيبرانيون أيضاً بعدم وجود هجمات إلكترونية".

وذكّرت بأنه "مثلما توقع العديد من الخبراء العسكريين أن الغزو الروسي سيكون سريعاً وحاسماً، رجح العديد من الخبراء السيبرانيين أن تعزز روسيا هجومها الضاري التقليدي عن طريق شن هجوم إلكتروني مدمر على القوات الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية ونشر المعلومات الكاذبة"، وهو عكس ما حدث.



أنشطة سيبرانية روسية

ولفتت "فورين أفيرز" إلى رصد بعض الأنشطة السيبرانية الروسية التي "لم تنجح في تنشيط الحملة العسكرية الروسية، أو إعاقة الرد الأوكراني".

وذكرت أن روسيا شنت هجمات باستخدام برمجيات خبيثة في الفترة السابقة للغزو، موضحة أن "هذه البرمجيات حذفت بيانات من حواسيب في وكالات حكومية أوكرانية".

وقالت المجلة: "يبدو أيضاً أن روسيا شنت هجمات الحرمان من الخدمات، ضد مواقع إلكترونية ونفذت سلسلة من المحاولات لاستخدام الشبكات الإلكترونية في الحكومة الأوكرانية والأنظمة العسكرية".

وأضافت المجلة أن "الدفاع الجوي والطائرات الأوكرانية لم تتأثر بالاضطرابات السيبرانية"، مُشيرة إلى عدم ظهور أي تقارير عن أضرار خطيرة في البنية التحتية ناجمة عن الهجمات السيبرانية، واستمرار عمل الإنترنت في أوكرانيا.

احتمالات متعددة

وترى المجلة أنه من المستحيل تقريباً معرفة السبب وراء تراجع الروس عن ذلك (شن هجمات سيبرانية كبيرة)، وقالت إن روسيا ربما حاولت تنفيذ عمليات سيبرانية وفشلت، أو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ربما احتفظ بقدراته الإلكترونية لوقت لاحق، أو أن روسيا نفذت بالفعل عملية سيبرانية ولكن تأثيرها سيستغرق وقتاً أطول ليظهر.

وطرحت المجلة سؤالاً بشأن ما إذا كانت العمليات السيبرانية ستلعب دوراً أكبر إذا أصبحت الحرب أكثر عنفاً، وقالت إن المرحلة التالية من الصراع ستشهد مشاركة الطائرات، والدبابات، والمدفعية، والجنود أكثر من أي وقت مضى.

وتوقعت المجلة أن تتسبب العمليات السيبرانية في زيادة عنف الحملة الروسية في أوكرانيا، متسائلة عما إذا كانت هذه العمليات "ستؤدي إلى تصعيد أفقي وإقحام الناتو في القتال أو تتسبب في حرب نووية"، نظراً لأن الولايات المتحدة وروسيا هما أكبر قوتين نوويتين في العالم.

مراكز التحكم النووي

وتشير الأبحاث الأخيرة، إلى أن الهجمات السيبرانية على مراكز القيادة والتحكم النوويين قد تكون مغرية للدول التي تتطلع إلى التخلص من التهديد بالتصعيد النووي في خضم حرب تقليدية.

وحذرت المجلة من الاستهانة بمخاطر هذه الهجمات، موضحة أن العمليات السيبرانية "قد تؤدي إلى التصعيد" في حالة إقحام الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي "الناتو" في الصراع.

ورأت أن "السيناريو الأكثر إثارة للقلق يتمثل في تسبب هجوم إلكتروني في ضرر غير مقصود للبنية التحتية الحيوية، أو أن يُنسب هجوم إلكتروني بشكل خاطئ إلى روسيا أو الولايات المتحدة".

وأوضحت المجلة أن أخطر أشكال التصعيد حتى الآن "يتمثل في احتمال أن تؤدي عملية سيبرانية إلى زيادة احتمالات نشوب حرب نووية"، مُضيفة أن "لا أحد يعلم ما إذا كانت روسيا -أو الولايات المتحدة- تمتلك سلاحاً سيبرانياً قادراً على استهداف الأسلحة النووية".

ونبهت إلى "بعض النظريات والبيانات التي تتحدث عن كيفية تأثير المجال السيبراني على الاستقرار النووي".

هجمات تستدعي الرد

وقال السناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا مارك وارنر، في أواخر فبراير الماضي، إن الهجمات السيبرانية المحتملة على البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا قد تكون لها آثار غير مباشرة على الدول أعضاء الناتو.

وأشار وارنر إلى احتمال أن يتسبب هجوم إلكتروني روسي على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية في انقطاع الكهرباء عن دول مجاورة أعضاء في الحلف، مثل بولندا، وهو ما "سيؤدي إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو، والتي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الناتو يعتبر هجوماً على الجميع"، بحسب المجلة.

وقرر الناتو في وقت سابق اعتبار الهجمات السيبرانية بمثابة هجوم مسلح يستدعي تفعيل المادة الخامسة من الميثاق، ولكنه لم يحدد أنواع هذه الهجمات.

كما قالت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنها سترد على الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة، مثل شبكة الكهرباء أو إمدادات المياه في البلاد، لكن لم يحدد مسؤولو الإدارة كيفية رد الولايات المتحدة على مثل هذه الهجمات.

خيارات قليلة

وتراوحت استجابة الولايات المتحدة للهجمات السيبرانية السابقة بين فرض العقوبات، وإجراءات إنفاذ القانون، ومصادرة الأصول المشفرة. ولا يبدو أن أياً من هذه الخيارات سيردع بوتين في هذه المرحلة، ما يضع إدارة بايدن في موقف غير مسبوق بسبب قلة الخيارات المتاحة لتهديد روسيا.

وقالت "فورين أفيرز" إن "من المؤكد أن بإمكان بوتين مهاجمة البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة أو دول الناتو الأخرى، على أمل أن يضغط مواطنوها على حكوماتهم للتخلي عن أوكرانيا".

وأضافت المجلة أن "القطاع المالي قد يبدو هدفاً منطقياً للهجمات السيبرانية الروسية، نظراً للضرر الذي ألحقته العقوبات الغربية بالاقتصاد الروسي". ولكنها استبعدت أن تدفع الهجمات الإلكترونية الولايات المتحدة أو حلفائها في الناتو إلى الدخول في حرب مع روسيا.

وأوضحت المجلة أن الولايات المتحدة يمكنها تحمل الأضرار قصيرة المدى التي قد تلحق ببنيتها التحتية الحيوية نتيجة هجوم سيبراني روسي، إلا أنها رأت أن هذه الهجمات قد تزيد من التصميم الأميركي على دعم أوكرانيا.