لم تكن الاستدارة التركية نحو محور الاعتدال العربي -الإمارات والسعودية ومصر- وليدة الصدفة، بل جاءت نتاجاً لنوايا تركية تسعى للخروج من أزمتها الاقتصادية عبر إستراتيجية تصفير الأزمات، بعد عقد من الزمان من سياسة التدخل في شؤون الدول، ورعاية تنظيم الإخوان الإرهابي الذي سبب توتراً كبيراً في العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي، وانخفضت شعبية الحزب الحاكم في الداخل التركي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل. عند النظر إلى التجربة التركية منذ عقدين، سنجد أن السياسة التركية حينها ابتعدت عن التدخل في شؤون الدول ملتزمة الحياد، ما أدى إلى ازدهار الاقتصاد التركي، الذي وصل إلى أفضل مراحله تاريخياً، حتى جاء التغير المفاجئ والانتقال إلى إستراتيجية الاصطدام مع المحيطين الإقليمي والدولي، والدعم الواضح لتنظيم الإخوان، واحتدام التصعيد في عدة ملفات مثل سوريا وليبيا وتونس، والذي وتر علاقات أنقرة بالدول المحورية المؤثرة في المنطقة، وانهار الاقتصاد التركي بشكل غير مسبوق.

أكدت التحركات الإماراتية السعودية المصرية مدى عمق التنسيق بين الدول الثلاث في التعامل مع الرغبة التركية في ترميم العلاقات التركية العربية، عبر تحديد مطالب محددة، أبرزها إيقاف كافة أشكال الدعم للتنظيمات الإرهابية بما فيها وسائل الإعلام الإخوانية، وإيقاف التدخلات التركية في المنطقة العربية، جاءت نتائجها سريعاً بعد تغيير لغة الخطاب التركي، والتقييد على أنشطة الإخوان، وانخفاض التصعيد الإعلامي بما فيها القنوات الإخوانية التي طلب منها التوقف عن الإساءة إلى الدول الثلاث. وعليه، شاهدنا الزيارات الرسمية للإمارات والسعودية، ومن المتوقع جداً أن تكون هناك زيارة رسمية لمصر.

تأثرت تركيا بسبب المقاطعة الشعبية السعودية غير الرسمية للسلع التركية، والتي قلصت حجم التجارة بين البلدين إلى 98%، ولهذا جاءت الاستدارة التركية للتخفيف من مشاكلها الاقتصادية، ولمحاولة كسب الشارع التركي قبل الانتخابات القادمة، ومن الواضح أن هناك تغييراً كبيراً إيجابياً في لغة الإعلام التركي الرسمي في تناوله زيارة الرئيس التركي أردوغان للسعودية، وبادرت تركيا بإحالة ملف دعوى خاشجقي التي أقيمت في تركيا إلى السلطات السعودية، في محاولة لاستعادة الثقة وطي الخلاف وفتح فصل جديد، والمملكة رحبت بهذه الزيارة بشكل طبيعي وبدون مبالغة، لأنها لم تسعَ من الأساس لخلق العداوات.

رغبة تركيا في مد الجسور وتحسين العلاقات مع البيت العربي خطوة إيجابية مهمة، ستساهم في تحقيق الهدوء في المنطقة، لمواجهة التحديات الدولية المتسارعة، والدرس المستفاد هو أن التضامن الإقليمي سيحقق التنمية والازدهار، بينما سياسة العداء ستؤدي إلى طريق مسدود.