لا أستطيع أن أفهم كيف يُقدم بعض أولياء الأمور أمام أبنائهم، بالدرجة الأولى، وأمام جمع غفير من متابعي وسائل التواصل الاجتماعية، على افتعال وفبركة تمثيليات تسيء للكادر التعليمي في المدارس وتتهمهم بالاعتداء البدني على الطلبة، مثل هذه الفبركات التي انتشرت في الأيام الماضية وتطرح أسئلة كثيرة حول محاولة البعض خلخلة قيم المجتمع، والاستثمار الشخصي عبر الإثارة في وسائل التواصل الاجتماعي.

في المقابل لا أستطيع أن أنسى وجه إحدى زميلاتي الحزين حين «صفع» أحد المعلمين ابنها الصغير على وجهه. قامت الزميلة بتقديم شكوى فورية للمدرسة، وتم تحويل المعلم للشؤون القانونية ومجازاته. ليس كل المعلمين نموذجيّين بالطبع، ولكن ثمة لوائح وأنظمة تضبط سلوك المعلمين المهني وتقننه.

من الدروس الكبيرة المستفادة من جائحة كورونا (كوفيد19) أن المدرسة مؤسسة اجتماعية ضرورية ولا غنى عنها، فقد عانى كثير من الآباء من عدم قدرتهم على السيطرة على أبنائهم، وإجبارهم على حضور الدروس عن بعد، وحل التكليفات والواجبات. وعالمياً نتج عن انقطاع الطلبة عن الحضور إلى المدرسة فاقد تعليمي هائل. تشير بعض الدراسات إلى أنه يستحيل تعويضه لأن المعرفي فيه تداخل مع التطور الشخصي للطلبة. إذن.. عملية التعليم ليست سهلة. ودور المدرسة والمعلمين يتعذر الاستعاضة عنه بأدوار آخرين، حتى لو كانوا الوالدين والمعلمين الخصوصيين.

كيف نحافظ على المؤسسة المدرسية التي هي مؤسسة عريقة في جميع دول العالم، وأحد المعاقل التي تعول عليها الدول في تشكيل أجيالها وبناء نهضتها؟

ثمة، بالتأكيد، دور كبير تتحمله وزارة التربية والتعليم في توفير البيئة الصحية والآمنة للتواجد والعمل داخل المدرسة، أحد أهم صورها تسهيل قنوات التواصل بين أولياء الأمور والمدارس وإدارات الوزارة، وصياغة لوائح وقوانين تحفظ حقوق وواجبات كل من يتواجد في البيئة المدرسية. وثمة أيضاً دور كبير جداً للأسرة والمجتمع للمساهمة في استقرار ودعم فاعلية العملية التعليمية داخل المدارس، منها غرس قيمة «الاحترام» و«التقدير» في نفوس الأبناء. هاتان القيمتان لن تنعكسا على سلوك الطالب داخل المدرسة فحسب، بل في المنزل والمجتمع. أن يحترم الطالب والديه وكل من هو أكبر منه، ويحترم زملاءه. أن يقدر الخدمات التي تقدمها له الدولة والمدرسة كي يصبح مؤهلاً لإتمام الدراسة والعمل.

الاتفاق على منظومة القيم السوية التي ننشئ عليها أبناءنا «في المنزل، والمدرسة» هي قضية جوهرية. وتسهّل النقاش في كيفية حل مختلف المشكلات التربوية والاجتماعية الناتجة عن التفاعل الإنساني في المدرسة وخارجها. و«احترام» المعلم، و«تقدير» دوره ودور المدرسة هما قيمتان يجب ألا يعمد أحد، في لحظة انفعال، أو بهدف «الشهرة»، أو تصفية أي حسابات معينة، العمل على هزها في مخيلة الطلبة. وكما يتوجب على المعلمين، كأحد شروط مهامهم الوظيفية، تقديم نموذج مثالي أمام الطلبة من التميز العلمي، والانضباط والالتزام والتفاني في العمل، فكذلك على الوالدين، وأصحاب حسابات التواصل الاجتماعي، تقديم صورة نموذجية أمام الطالب تتميز بالصدق والأمانة والإيجابية.

تحية لكل ولي أمر يعلم أبناءه احترام الآخرين وتقدير كل من يساعدهم في حياتهم.

وتحية لكل معلم رفيع الخلق، عالم في تخصصه، ومحب لأبناء الوطن.