لكل إنسان كرامة، والعاقل من حفظ كرامته وعز نفسه عن ما يشينها، وحفظ ماء وجهه من الذل وقد قيل في مضرب الأمثال القديمة «الحياة نقطة إذا زرت من الوجه ذل صاحبها».

التسول ظاهرة تظهر أحياناً وتغيب أحياناً أخرى، تطفح على السطح إذا لم يستنكرها أفراد المجتمع، من قصص الجاهلية، أن عنترة بن شداد قال «وأبيت على الطوى وأظله.. حتى أنال به كريم المأكل».

بعد البعثة المحمدية، ومن أجل المحافظة على كرامة المسلم وعزته وحفظ ماء وجهه، ومحاربة التسول قال عليه الصلاة والسلام «لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره خيرٌ له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه».

إن تأسيس بيت المال هو أول صندوق في العالم يخصص ما فيه من مال للمعوز والمنقطع والأيتام والأرامل والعاجز عن السعي على نفسه وعياله، وللصندوق أشباه وإن اختلفت المسميات في حاضرنا، ونحن نعيش في البحرين ومنذ الفتح وقيام الدولة الخليفية، جُبِلَ حكامها والتجار على تطبيق شعيرة الزكاة، وإن كانت غير منظمة، وينفذها المقتدر بنفسه ويوزعها على المحتاج من أهله وجيرانه ومعارفه القريب منهم والغريب، طاعةً لله تعالى، وهنا يجب أن أذكر وأشدد بالتذكير بالمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية الشاملة التي أسسها مليكنا المعظم حفظه الله تعالى ورعاه وسدد خطاه، فهذه المؤسسة تنفق بسخاء على كل محتاج بحريني، وأياديها تطول كل محتاج في الدول الإسلامية وغيرها، من منطلق إنساني نبيل كما نرى ذلك عند حدوث الكوارث الطبيعية ومساعدة الشعوب المحتاجة في أي ظرف.

ومملكة البحرين توجد فيها جمعيات خيرية كثيرة، وفي كل مدينة جمعية أو جمعيتان، يدير شؤونها رجالٌ ونساء نذروا أنفسهم طاعةً لله، وخدمة إخوانهم المعوزين، ولهم الشكر والتقدير.

الذي يجب أن أسلط الضوء عليه، أن نسبة كبيرة من المتسولين غير بحرينيين، ويتخذون من التسول مكسباً بحيل كثيرة، في أحد المساجد جاءنا أجنبي، وبعد الصلاة وقف أمام المصلين ورفع عن خاصرته وهو يبكي ويقول «أنا عملت عملية في كليتي، ولا عندي ما أستطيع به مواصلة العلاج، أرجو المساعدة والله يأجركم ؟!!»، أكاذب هو أم صادق ؟ لكنه حصل على مبلغ من المال.

مثال آخر، امرأة متلففة بثيابها ومحجبة وفي حضنها طفل، تسأل الناس المساعدة، وجهت لها سؤالاً «يا خالة من أي مدينة من البحرين أنتِ؟» قالت «ليش؟» أجبتها «إني أعرف الكثير من الصالحين الذين يديرون جمعيات خيرية لأبلغهم عن حالتكِ المادية وظروفك العائلية، وهم لا يقصرون» ردت «ما القصد من سؤالك؟»، قلت «أن أعرف رقم زوجك الشخصي وعنوانه، وهم – أي أعضاء الجمعية – سيرسلون لكم باحثاً اجتماعياً، والله الموفق. رفضت بعصبية وهي تقول «لو يدري زوجي أني أطر ذبحني؟!».

هذان مثالان فقط، فأكثر المتسولين تعودوا على الطرارة، وأصبحوا مدمنين عليها لأن الحصيلة اليومية وفيرة وأترك للمسؤولين عن مكافحة التسول اتخاذ ما يلزم حسب قانون منع التسول، وإنهاء مظاهره في بلادنا العزيزة.