مهما بلغت قوتنا كبشر نحكم كوكب الأرض بما فيه من مخلوقات حية ومهما ارتقينا وتطورنا بالاختراعات البشرية يبقى قضاء الله وقدره وتيسيره لقواه الكونية والطبيعية أقوى منا جميعاً، وقتها ندرك أمام كوارث الطبيعة التي تأتي بقدرة قادر أننا ضعفاء ولا حيلة لنا، وقتها نستوعب أن وقوع زلزال لم يتجاوز الدقيقتين في مدته غيّر خارطة الأحداث وترتيب الحياة والأولويات بشكل لم يتصوره أحد!

عندما نتأمل ما بعد وقوع زلزال سوريا وتركيا والخسائر البشرية والمادية والمعنوية الفادحة التي حصلت من ورائه حيث إن رقم ضحاياه حتى كتابة هذا المقال وصل إلى 37 ألف شخص وهو بالطبع يعد أكبر زلزال يقع في تاريخ سوريا وتركيا ويخلف كارثة إنسانية وتنموية ضخمة جداً، ونتأمل التحليلات التي تدخل في مفهوم نظرية المؤامرة فهناك من يضع علامة استفهام حول توقيته، وإن كان لأسباب مفتعلة أو جاء كردة فعل بسبب السدود المائية أو التدخلات البشرية في الأرض، وهناك من يحمّل رداءة المباني والبناء السبب الرئيس فيما حصل من خسائر بشرية فور وقوع الزلزال، لكن بالعموم لابد أننا نؤمن بأن كل ما حدث كان يحمل وراءه رسائل إلهية عميقة جداً لمن يتفقه ويعتبر أنه كان تذكرة لنا جميعاً أن تدابير الله أقوى بكثير من تدابير البشر وأن ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله الأحوال من حال إلى حال آخر قد لم نكن نتوقعه أبداً!

تسع ساعات كانت تفصل بين الزلزال الأول الذي بلغت قوته 7.8 والثاني وبقوة 7.5 مما أسفر عن تشريد 26 مليون شخص، 11 مليوناً منهم في سوريا، و15 مليوناً في تركيا، كما لاتزال فرق البحث والإنقاذ تتحرك نحو تحرير المئات من العالقين تحت الأنقاض في أوضاع صعبة للغاية حيث يعاني العالقون من مرور بضعة أيام بلا ماء ولا طعام إلى جانب البرد القارص، وهناك تقارير إخبارية صدرت تكشف أن عدد الأشخاص المعرّضين للتأثر بتبعات حجم المأساة الإنسانية الحاصلة يصل إلى 23 مليون شخص وهي أرقام فلكية ومفزعة في الحقيقة وتكشف لنا أننا نحتاج لسنوات طوال لأجل تجاوز ما خلفه هذا الزلزال من خسائر متتالية، لكن ما هو مفجع أكثر ما بعد هذه الكارثة أن تكتشف أن هناك من يركب موجة هذه الأزمات الكارثية لأجل التسويق السياسي والحزبي والديني وأن الكل يحاول أن يتاجر بتجارته ويجد الفرصة للتكسب من وراء مصائب الناس، فهناك من يحاول استغلال هذا الحدث للمتاجرة باسم الدين المتأسلم، وهناك من يسوّق لحزبه السياسي ويلصق به عظيم البطولات الوهمية، وهناك من يحاول تلميع شخوص يرتبط بهم بمصالح شخصية ومالية، وكل على ليلاه يغني، فالدوافع الدينية والحزبية لدى البعض أهم بكثير من المبادئ الإنسانية العظيمة، لذا تتقدم المصالح وتتراجع الإنسانية بكل أسف!

فالكارثة الأكبر التي رأيناها والتي كانت تتجاوز الكارثة المأساوية التي حصلت والتي هولها من المفترض أن يدفع كل شخص فينا لمراجعة حساباته مع الله وموازين أفعاله في الدنيا، أن هناك أقواماً لا يعتبرون فعلاً ولا يخافون أبداً، فهناك من تجاوز الأعراف الإنسانية والقيم الأخلاقية باستغلال هذه المأساة واغتنامها في السرقة والنهب، وهناك من يسرق المساعدات الإنسانية ويعيد بيعها مستغلاً حاجة المتضررين، لذا أعلنت السلطات التركية حالة الطوارئ في 10 مقاطعات تركية. بكلمات أخرى، هناك حتى لآخر اللحظات من لا يخاف ولا يفزع ولا يعتبر ولا يفكر ولا للحظة أنه من الممكن أن يكون هناك زلزال ارتدادي آخر يخسف به الأرض وهو يسرق أو ينهب أو يفسد أو يسيء للآخرين مستغلاً الظرف المأساوي الذي يعانونه!

إحساس عابر

هناك مقطع متداول في مواقع التواصل الاجتماعي كموعظة دنيوية عميقة جداً عن مالك سوري قام بطرد أحدهم من شقته بسبب عجزه عن دفع الإيجار لمدة 3 شهور فقام بإخراجه ورمى أثاث منزله في الشارع فنصب خيمة في الشارع تؤويه مع أطفاله، وبعد ساعات من وقوع الزلزال أصبح المالك مشرداً ولجأ إلى خيمة المستأجر! «تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء».