كان الجو إعلامياً بشكل بحت للغاية، ويجعلك تستشفّ وتلامس عن قرب شيئاً من المستقبل الإعلامي القادم لمملكة البحرين، تكاد تشعر بذلك فور دخولك قاعة الفعالية في جامعة البحرين بحضور رئيس جامعة البحرين د. فؤاد الأنصاري وبتزاحم طلبة وطالبات الإعلام والمحبين لهذا المجال والناشئين فيه والذي يعتبر بحراً كبيراً لا ينتهي من الشغف والإبداع، كنا قد تشرفنا بحضور الحلقة التعريفية بجائزة المواهب الإعلامية 2023 والتي يتم تنظيمها تحت رعاية سعادة وزير الإعلام بهدف استكشاف المواهب الإعلامية الشابة وصقلها بما يمكنها من تقديم إنتاج إعلامي احترافي.

الجائزة تمكن من يتم اختيارهم بعد اجتياز مقابلات لجنة التحكيم واختيار أفضل 30 متقدماً يقدمون محتوى إعلامياً في أحد مجالات الإعلام حيث إن مسابقة هذه السنة تكون في فرع تقديم وإعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية الترفيهية والمنوعة داخل الإستوديو وخارجه بفرعيه «اللغة العربية واللغة الإنجليزية» بالحصول على برنامج تدريبي على أيدي خبراء من داخل وخارج البحرين وذلك حتى تاريخ 7 ديسمبر وسيكون الإعلان عن الفائزين في 10 ديسمبر 2023، وبالتأكيد إن مثل هذه الفرصة الذهبية والتي يتم تنظيمها لأول مرة في مملكة البحرين وبما يشبه برامج المسابقات والمواهب العالمية ستخرج لنا العديد من أصحاب المواهب والطاقات الإعلامية الذين لهم مستقبل في الإعلام البحريني، وستؤسس لجيل إعلامي يستفيد من هذا البرنامج التدريبي وقادر على التسلح بالمهارات المطلوبة اللازمة لسوق الإعلام.

حيث أكد مدير إذاعة البحرين يونس سلمان أن هذه الجائزة ستكون بشكل سنوي وفي كل سنة ستشمل مجالاً من مجالات الإعلام المختلفة مما يؤكد أن هناك توجهاً لأن تشمل جميع التخصصات الإعلامية وأن المطلوب إعداد فيديو خاص لمدة ثلاث دقائق فقط يُقدم فيه برنامجٌ أو حديث أو فكرة في موضوع معين من اختيار المتقدم، وسيكون الاختيار بناء على عدة معايير منها طريقة التعبير عن الكلام والثقة بالنفس والبرنامج التدريبي سيمنح المتقدم فرصة التدريب على أيادي أكاديميين وخبراء متخصصين في الإعلام بالتعاون مع إذاعات وتلفزيونيات عالمية، والحق يقال إن ما كشفه مدير إذاعة البحرين سيكون بالتأكيد مكسباً للبيئة الإعلامية البحرينية ويكشف أن هناك خططاً لهندسة الوضع الإعلامي في مملكة البحرين بما يواكب المستجدات الحاصلة حولنا وتمكين الشباب الناشئ وإتاحة الفرص لهم، فَفَتْح هذا الباب ستكون له إيجابياته المتعددة بالتأكيد منها أن أي شخص راغب في خوض أي مجال من مجالات الإعلام سيكون هناك من يشرف عليه ويدربه حيث يخرج لنا إعلاميون ملتزمون بالقيم والمبادئ والطرح الهادف والمحترم وهو ما نحن متأكدون منه من اللجنة التنظيمية بالجائزة ومدى الحرص على إكسابه للمشاركين ضمن البرنامج التدريبي الذي سيحظون به بالتركيز على الأسس والقيم الأخلاقية والرسالة الإعلامية الاحترافية التي ينبغي أن يحرص عليها كل شخص راغب في أن يكون إعلامياً.

ما لفتني خلال اللقاء أيضاً حديث الإعلامية المتميزة إيمان مرهون حينما تحدثت عن تجربتها الإعلامية والتي بدأتها كصحفية مؤكدة أن هذه المهنة ليست مهنة سهلة أبداً بل رحلة صعبة مليئة بالتحديات بالأخص عندما بدأت مسيرتها في مرحلة زمنية كان من الصعب أن تكون هناك امرأة تقدم برنامجاً ولا تميل إلى البرامج الفنية والمنوعات ولها خط آخر مختلف. ما ذكرته الإعلامية إيمان مرهون يؤكد بشكل قاطع ما درسناه في جامعة البحرين من أن الصحافة «أم الإعلام» وأن تأسيس الإعلامي يبدأ أولاً من بيت الصحافة التي تصقل مهاراته وتطور موهبته في الخطابة والتحاور والكتابة وأن هذا المجال ليس مجالاً للتكسب والشهرة بل هو ميدان حقيقي ينجح فيه الشخص الذي يحب الإعلام فعلاً ولديه شغف به وأنه لا يشترط على أي امرأة تود خوض أي مجال إعلامي أن تقف عند النمط التقليدي المتكرر الذي يحتكر المرأة في قالب الإعلام الترفيهي والمنوعات.

كذلك ما ذكره المذيع والإعلامي المتميز عماد عبدالله عن تجربته الإعلامية للطلبة والتي بدأت من خشبة المسرح لينتهي به المطاف مذيعاً ومقدمَ برامج وأن ذلك لم يكن مشواراً سهلاً بل إن دراسة المسرح كانت أصعب بكثير من دراسة تخصص علم النفس الذي كان من المفترض أن يدرسه مشدداً على أن جامعة البحرين تعتبر أفضل مكان بالمنطقة العربية كونها أقوى الجامعات وأن الإعلامي حتى يكون إعلامياً لا بد أن يكون صحفياً ومقدم تلفزيون وكاتب مقال وأديباً ولديه موروث كبير في عالم القراءة وأنه من المخزي أن يتحول الكلّ اليوم إلى إعلامي!

لقد ناقش الإعلامي عماد فكرة عميقة حول أدبيات العمل الإعلامي الذي فقد قالبه وشكله اليوم للأسف فهناك من يصبح إعلامياً دون حتى أن يمر بأي تجربة إعلامية حقيقية أو يكون قد درس وتخصص وعمل في مجال من مجالات الإعلام الحقيقية، فهذا المفهوم أصبح فضفاضاً ويشمل أي شخص خرج في الساحة وتحول لمشهور بين ليلة وضحاها رغم أن الشهرة ليس لها علاقة أساساً بالإعلام وأدواته فليس كل مشهور إعلامي ولكن كل إعلامي حقيقي مشهور وإن كان على مستوى وحد معين في مجاله لأنه ليس من السهولة أن تكون إعلامياً حقيقياً تمتلك المهارات والقدرات الإعلامية اللازمة.

خلاصة القول، نتمنى أن تكون هذه الجائزة دليلاً وبوصلة لضبط البيئة الإعلامية البحرينية لدينا ومدرسة تخرج الإعلامين المبدعين وقادرة على اكتشاف المواهب الحقيقية فعلاً، ومن يدري لعل نجاح هذه التجربة البحرينية قد يؤسس لمدرسة إعلامية تكون قدوة بالمنطقة مستقبلاً ومثالاً يحتذى بها في اصطياد المواهب الإعلامية الحقيقية وإيجادها في الساحة الإعلامية العربية.