* عندما تكتب سطورك في هذه «اللحظة» فإنما تكتب مشاعرك التي تتحدث عن أحوالك في هذه اللحظة، عن ذاتك التي تتحدث بها وتتناغم مع الكون فيها، إنك تكتب نظراتك للحياة التي لم تعد كتلك التي كنت تنظر بها في أيام حياتك الماضية، بل لسنوات خلت من عمرك. لأنك باختصار استطعت أن تنظر للحياة بزوايا أخرى غير تلك التي نظرت إليها، فأحداث الحياة وطاقة الكون والأيام تعطيك نظرات ثاقبة متغيرة للأمور، وتجعلك تتخلّى عن الكثير من المشاعر السلبية، وعن تلك الاعتبارات التي كنت تعتقد أنها كانت بالنسبة لك من «المُثل العليا». الكون يتغير في «لحظة» والعالم أضحت أحداثه تتغير إلى نهايات تتفاءل بأن تكون إيجابية النتائج. باختصار «لحظتك» الآن تكتب فيها عن وجبة دسمة تأكلها آمناً في بيتك، وغيرك في هذه «اللحظة» وهناك في غزة انتهت رحلته في الحياة وهو ينتظر في طابور ليشتري «رغيف خبر» فاختلط دمه برغيف الخبز وانتهى كل شيء.

* ورد في كتاب لأنك الله لكاتبه علي الفيفي: «يقول الشيخ السعدي رحمه الله: (الحفيظ الذي حفظ ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهَلَكات، ولطف بهم في الحركات والسكنات). منتهى الحفظ عنده، وغاية الرعاية لديه، وأقصى الطمأنينة ستكون وأنت بمعيّته. يحفظه عبده، لذلك نقول دائماً: اللهم احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن وفوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. إنك تستحفظ الله جهاتك الست، إنك تطلب منه هالة حفظ تحوطك من جميع الجهات، ولا يقدر على ذلك إلا هو! يحفظ سمعك وبصرك، لذلك ندعوه في الصباح والمساء أن: اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري. ستفقد الجهاز الذي تستطيع به فهم هذا العالم إن فقدت سمعك وبصرك، ستعيش في عزلة سوداء، ستخنقك الدنيا بصمتها. الحفيظ الذي يحفظ دينك، لذلك تناجيه في السجود أن: يا مُقلّب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك».

* جميلة هي صور الوفاء الأسرية الحانية التي تسمعها بين الفينة والأخرى من بعض «الأبناء البررة» أو من بعض الكبار الذين يسردون حكايات حبهم الأثيرة لآبائهم وأمهاتهم، والذين ينسبون الفضل لله عز وجل أولاً ثم لتلك الأنامل الرقيقة التي جمّلت حياتهم وأوصلتهم إلى ما هم فيه الآن من النعم الكثيرة والمناصب الدنيوية الرفيعة. الأبناء البررة هم أولئك الذين يستذكرون تعب الحياة ومكابدة الليالي التي عاشها الآباء والأمهات بغية تربيتهم تربية صالحة، وبغية وصولهم إلى أجمل المراتب في الدنيا، حتى يشقوا طريقهم السليم نحو النجاح والتميز. فقد شيّدوا بنينان هذه الأسرة وعاصروا أيامهما لحظة بلحظة، وتعبوا وعملوا من أجل أن ينعم الأبناء بالصحة والعافية والحياة الرغيدة والتعليم المميز. سمعت منذ أيام كلمات أحدهم وقد تقدم به العمر، ولكنه ما زال يستذكر حنان والديه وتعبهم وسهرهم. فهو يتحدث عن أبناء بررة يشتاقون لأمهاتهم وآبائهم ليستفيدوا من خبراتهم الناضجة في الحياة، ويقتبسوا من تجاربهم ما ينير لهم دروبهم، يُسارعون ليكونوا بالقرب من أقدامهم، فلا يمر يوم إلا وقد زاروهم أو اتصلوا بهم وسألوهم عن أحوالهم، فقد كانوا يوماً ما بين أحضانهم يربتون على أكتافهم. هو الوفاء للأبوين الذي لا يُقدر بثمن.

* سنوات عمرك ليست مقياساً لكي تقف عن التعليم المستمر في حياتك، وبخاصة عندما تتعلم تلاوة أغلى وأثمن كتاب في الوجود، كتاب الله الكريم. هذا هو ما يسير على منواله الحاج «مسكين» في مسجدنا في حالة بوماهر فقد فاق عمره 80 عاماً، ولكنه أصرّ أن يجلس بجانب من يصغره عمراً ويتعلم كتاب الله الكريم ويتلوه بصوت جميل. لا أتذكر بأنه قد غاب يوماً ما عن حلقة تعليم القرآن الكريم، إلا بضع مرات كانت بسبب سفره. تعجبني ابتسامته الجميلة وتواضعه وإقباله على كتاب ربه، وحرصه على الحضور المبكر للصلوات. الحاج مسكين اليوم يتلو الآيات بصوت جميل ومُتقن بقراءة مُجوّدة خلاف ما بدأ به في بدايات انطلاقة حلقة التعليم. إنه الخير والأثر الذي لا يتوقف عند عمر معين للإنسان.. بل يستمر حتى أنفاس الحياة الأخيرة. ربي يرزقه الصحة والعافة ويطيل عمره في طاعته.

ومضة أمل

اللهم اجعل حياتنا أثراً يمتد نوره إلى الفردوس الأعلى.