لكل حقبة زمنية عبر التاريخ اسم أو مصطلح تعرف به، لما تركته من بصمة وأثر على تاريخ البشرية، مثل زمن الحرب العالمية الأولى والثانية وقنبلة هيروشيما والاستعمار البريطاني والفرنسي وحرب الخليج تسونامي آسيا والحملات الصليبية، والعجيب أن ما يخلد في التاريخ فقط مرتبط بالدم، وبحجم وعدد الموتى، ولعلنا في هذا الزمن والعصر نعيش إحدى تلك الحقب المأساوية الدموية لنكون شهداء وحاضرين لما يعرف بالبطش والظلم الممنهج للنظام العالمي.

واليوم يشهد العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب واحدة من أكثر قصص الظلم والطغيان التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فبكل علانية ووقاحة ترتكب إسرائيل المذابح والمجازر في حق المدنيين العزل، وأمام مشهد ومسمع العالم وعلى الهواء مباشرة، فليس هناك في قائمة الإرهاب الإسرائيلي من محرمات، فكل ما على أرض غزة هو هدف مشروع للقتل، المستشفيات والمدارس ودور العبادة لديهم مثل أي ثكنة عسكرية، فكل فلسطيني بالنسبة لهم مقاوم وإرهابي، لا يهم إن كان رضيعاً أو شيخ المهم أنه فلسطيني ضمن قائمة تطهير المنطقة وإفراغها من أهلها.

هذا العالم الظالم أو بالأحرى النظام العالمي، أصبح يبرر وبكل سفالة جرائم الإرهاب الإسرائيلي، بعذر «الدفاع عن النفس» وأنها ردة فعل، وأن وقف القتال يعني إعطاء فرصة للمقاومة بأن تعيد بناء نفسها ! وفي سبيل ذلك لا بأس ببعض الأضرار الجانبية وإن كانت آلاف من المدنيين.

لكن يشاء الله أن سلاح الغرب «الإعلام» و»التواصل الاجتماعي» الذي وجه لتشويه صورة الفلسطينيين وقضيتهم وتحريف الحقيقة أتى بمفعول عكسي عليهم، فأصبح العوام من الناس في كل أنحاء العالم أكثر إدراكاً ومعرفة لما يجري على الأراضي المحتلة واكتشفوا حقيقة من هو الظالم والمظلوم، وأن ما كان يقوله زعماؤهم وكبار قومهم عن حقوق الإسرائيليين وظلم الفلسطينيين لهم مجرد كذب ممنهج تعاونت فيه الأمم بمختلف هيئاتها ومنظماتها.

واليوم تجد أكبر وأكثر الأصوات المنادية لحماية المدنيين الفلسطينيين والدفاع عن قضيته وحقوقه تأتي من الغرب، أصوات تطالب في مختلف الساحات الواقعية والافتراضية بوقف آلة القتل الإسرائيلية وحماية المدنيين وتديين القاتل بالاسم دون مجاملة أو استحياء، فالإنسانية ليس لها أشكال وألوان بل هي الفطرة السليمة.

وفي ظل الاصطفاف العالمي الشعبي مع القضية الفلسطينية سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي، يحق لنا نحن العرب والمسلمون بل هو واجب علينا شرعاً نصرة أهلنا وإخواننا في فلسطين وإن كان باب الدين لا يستهويك أو يثير حفيظتك فمن باب العروبة والدم، وإذا كان ذلك لا يفيد أيضاً فمن باب الإنسانية على أقل تقدير.

فلا المجاملات لهذا السفاح الصهيوني حققت أو ستحقق أي مكاسب أو مواقف، بل تزيده بطشاً وإصراراً على تحقيق رغبته ومشروعه الأكبر باحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية ثم التفات للدول المجاورة وكتابة حقبة جديدة من الدم، فهي عقيدة لن يتنازل عنها حتى نفنى أو يفنى.