دائماً ما أستذكر المعاني الجميلة التي يمكن التأمل بها عندما نقرأ الآية الكريمة: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..". هي خلافة الله عز وجل في الأرض جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن، خلافة بدأت بنزول آدم عليه السلام وحواء إلى الأرض ومنذ ذلك الحين بدأت قصص الحياة تتوارث وتتعدد بين جيل وآخر، إلى جيل نتنفس فيه اليوم عطاء الحياة، ونمضي في مسيره من أجل أن نكون خير خلفاء الله تعالى في الأرض. البعض يفسر الخلافة على أنها مجرد وجود على الأرض، ومجرد أداء أدوار الحياة بلا ضوابط ولا أهداف ولا غايات محدودة ومعروفة، وهو بطبيعة الحال قد ظلم نفسه بهذا التأويل.

إن خلافة الله عز وجل في أرضه، هي خلافة تمحيص وابتلاء، وخلافة عطاء في نشر الخير، ومن ثم تتحدد من خلالها الكثير من الصور المضيئة التي يجب علينا النظر من خلالها بمنظور الإيجابية، فمن أراد الخير عليه أن يكون له دور بارز بأن يُعطي بلا حدود، ويعمل من أجل أن يتزود من زاد الآخرة، ويصل إلى مراده في حياة أخروية خالدة هناك في الفردوس الأعلى. خلافة يجب أن تكون بلا شروط وبلا فلسفات دنيوية من أجل أن نسير من خلالها بخطى ثابتة نحو تحقيق مشروعات الأثر الجميل.

عندما تمضي بك أعمار الحياة، فإنك حينها تنظر إلى فصول حياتك التي كتبتها، وإلى تلك الذكريات التي جمعتها، فأنت حينها ستكون في موقفين! إما موقف السعيد الذي يرى حياته وهي مكسوّة بالخير وبمواقف الأثر الجميل وبعطاءات الخيرة المُتعددة، وإما بموقف المتأمل المتردد لتلك المواقف التي يعدها من الصور الحياتية العادية التي لا يمكن للشخص المتزن الواعي أن يراها بمنظور التوافق النفسي والرضا الداخلي، لأنها مجرد هوامش وأزمنة عادية مرت على صاحبها كما مرت على غيره من أولئك الذين لا يرسمون لهم أهدافاً واضحة في الحياة.

إن أدوارنا في الحياة تعكس طبيعة تفكيرنا وطبيعة اهتماماتنا، وطبيعة "السلام والاتزان الداخلي" الذي نعيشه والذي يختلف اختلافاً جذرياً بين شخص وآخر، وفقاً لتلك البيئة التي نعيشها، والأسرة التي ترعرعنا فيها، والمبادئ والقيم التي ورثناها من الآباء والأجداد، والتي تأتي في مقدمتها مبادئ ديننا الحنيف وقيم الإسلام الرفيعة التي تختلف قيمتها باختلاف المكان والزمان ونظرات الآباء والأمهات لهذه الحياة. الأدوار التي يجب أن نصنعها هي أدوار الأثر الحياتي الإيجابي والذي نصنعه اليوم قبل الغد، منذ إطلالة المولود على الحياة، فنرسم له طريق الأثر الجميل، ونعده مشروع "حياة" نحدد له أدواره كما افترضته علينا أدوار الخلافة في الأرض. علينا أن نبذر البذرة ونجتهد في تهذيبها وريها بحُب، ثم النتاج الحقيقي يكون مسيراً جميلاً في الحياة مُعطراً بالخير، ومكسوّاً بالحب، وأثراً مُتعدداً. حينها لا نستعجل بقطف الثمار، ومن الظلم أن نقارن، فالمقارنة تعطل المسير وتُحبط المُجدين، فأدوار الأثر الجميل تتعدد، ومعاني الخير موجودة في كل المحطات بشرط أن تكون صادقة في مسعاها مع المولى الكريم.

أدوارنا الإيجابية المؤثرة في الحياة يجب أن تعكس رغبتنا الصادقة في التغيير، ورغبتنا بأن نكون من أصحاب المُبادرات المؤثرة نعمل من خلالها بشغف وبحكمة، ولا نتسرع في الخطوات ولا في إطلاق الأحكام، بل نعمل من أجل أن نكون من المسارعين في الخيرات من المُبادرين في رسم الأثر الجميل. أدوارنا نابعة من نياتنا في الخير، بأن نُحب أن نكون أثراً جميلاً في حياة كل من نلاقيه، وفي كل محطة نضع فيها أقدامنا. أدوارنا التي لا ترتبط بغايات دنيوية ولا بمصلحة شخصية، ولا تبتغي أن تكون رائدة في كسب أموال الحياة دون استثمارها في الخير، بل همها الأول والأخير "رضا الله تعالى أولاً"، وهمها أن تحصد كل فرصة خير من أجل أن تستثمر طاقتها الخلّاقة لرسم الأثر الجميل، وإضفاء ملامح السعادة على كل محتاج. أدوارنا التي لا تتعامل مع الآخرين بالضد، بل تعطيهم الحُب، وتمسح على رؤوسهم من أجل الخير.

ومضة أمل

ما أجمل تلك الدعوات الجميلة التي تأتيك من أناس لا تعرفهم، فقط اصطفاك المولى الكريم لتكون سبباً في إسعادهم، وهيّأ لك خطوات الخير من أجل أن تنفس عنهم الكربات. هي فرص الحياة أتتك في أدوارك التي تقوم بها، فلا تتنازل عنها وكن دائماً على موعد في رسم الأثر الجميل بابتسامتك المعتادة وروحك الجميلة وحكمتك البالغة وتواصلك المؤثر مع من تُحب، لأنك دائماً وأبداً "مع الله" في غدوك ورواحك.