وفي هذه الأوقات المضطربة، ظهر اتجاه مثير للقلق حيث تسعى العناصر المتطرفة، تحت ستار دعم القيم الديمقراطية، إلى تقويض أسس الدولة ذاتها. وباسم الديمقراطية، خرجوا بوقاحة ضد السلطات الشرعية المكلفة بحفظ النظام والأمن. ومما يثير القلق بشكل خاص الطريقة التي سعت بها هذه الجماعات المتطرفة، سواء المحلية أو المدعومة من الخارج، إلى تبرير أعمال العنف والتخريب التي ترتكبها.
وباسم الديمقراطية، فإن أولئك الذين يروجون الأيديولوجيات المثيرة للانقسام والطائفية والثيوقراطية الناشئة من دول متناحرة، يتحدون الجهود المشروعة التي تبذلها الدولة للحفاظ على التماسك الاجتماعي والاستقرار. لقد تحدى هؤلاء المتطرفون بشكل صارخ القوانين والإجراءات الراسخة التي وضعتها الحكومة لحماية مواطنيها. وقد حاولوا تصوير المدانين بارتكاب جرائم، مثل الخروج على القانون ودعم الإرهاب والعمل على تقويض أمن واستقرار المجتمع، على أنهم «سجناء رأي» وليس كمجرمين يجب محاسبتهم بموجب سيادة القانون. أو التشكيك في إجراءات الدولة الساعية لحماية الأطفال والشباب بوضع قيود عند السفر الي مناطق أو دول تكثر بها النزاعات وتصدر التطرف.
وهذا انحراف خطير للمبادئ الديمقراطية. وباسم الحرية، تعمل العناصر المتطرفة بنشاط على تقويض الأسس المؤسسية التي تحمي الديمقراطية نفسها. وتواجه المنطقة الآن لحظة محورية حيث هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة هذه الأيديولوجيات المتطرفة التي تتنكر في شكل معارضة ديمقراطية مشروعة.
ان الجهود التي تبذلها الدولة بدعمها الثابت للقضية الفلسطينية، إلى جانب مبادرات البحرين، والدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، ودعم الاعتراف الكامل بدولة فلسطين وقبول عضويتها في الأمم المتحدة، وتوفير الخدمات التعليمية والصحية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات في المنطقة، التي تضمنها خطاب صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بالقمة العربية «قمة البحرين»، تُعد خطوة تحويلية نحو حل هذا الصراع الذي طال أمده. ورغم كل تلك الجهود إلا أنه مازال هناك من يسعى لتهميش أو تقزيم هذه المساعي الدولية.
لذلك يتطلب الأمر بذل جهد موحد وتضافر للدفاع بكل حزم عن الأسس الديمقراطية المشروعة للدولة ضد أولئك الذين يسعون إلى تدميرها عبر معاول الهدم المستأجرة. ولن يتسنى لدول هذه المنطقة أن ترسم طريقاً مستقراً ومزدهراً إلى الأمام إلا من خلال الوقوف بحزم ضد آفة التطرف، مع التمسك بثبات بسيادة القانون والقيم الديمقراطية الشاملة.
الخلاصة
إن القوى المتطرفة، التي تكتسب المزيد من الجرأة بعباءة الخطابة الديمقراطية، تشكل تهديداً وجودياً لابد من مواجهته بشكل مباشر. وهذه ليست معركة حول الخلافات السياسية، بل هي معركة للحفاظ على النظام الديمقراطي ذاته الذي يضمن الحريات الفردية والتعايش السلمي بين جميع المواطنين. لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر من ذلك، وقد حان وقت العمل الآن لأخذ الإجراءات القانونية الرادعة ضد هؤلاء المنحرفين المتطرفين.