لطالما ناقشنا في عمود إشراقة موضوع إدارة واستثمار الأوقاف الخيرية، ولازلنا نؤمن أنه آن الأوان لإعادة النظر في منظومة إدارة الوقف الخيري، لينتقل من النظام التقليدي إلى منظومة مشابهة لمنظومة المؤسسات الاقتصادية الإسلامية، مثل المصارف الإسلامية، وشركات التأمين الإسلامية، وشركات الاستثمار الإسلامية، وهي جميعها مؤسسات مالية تلتزم بالمعايير الشرعية الإسلامية بالإضافة إلى التزامها بالمعايير المهنية في مجال اختصاصها، لضمان حسن إدارة الأموال، وكفاءة استثمارها، ولضمان التزام تلك المؤسسات بالمعايير الشرعية، يقوم قسم الرقابة الشرعية بالرقابة والتدقيق الداخلي على معاملات المؤسسة لضمان التزامها بتطبيق المعايير الشرعية، ويعد قسم الرقابة الشرعية أحد أنواع التدقيق الداخلي في المؤسسات.

كما تراقب أداء تلك المؤسسات المالية الإسلامية لجنة عليا تتبع مجلس الإدارة مباشرة تضع المعايير الشرعية لمعاملات المؤسسة، وتصحح مسارات العمل بالمؤسسة بما يتناسب وقواعد الشريعة الإسلامية، وبالتالي تصبح المنظومة الإدارية متكاملة في الخبرات إذ يدير المؤسسة المالية مختصون في مجال الاقتصاد ويراقب أداءها مختصون في مجال الشريعة.

وبالطبع فإن الجهات التي تشرف على الأوقاف الخيرية تعتبر مؤسسات اقتصادية كونها تدير الأموال الموقوفة، وتستثمرها، وكم نتمنى أن تتبنى المؤسسات الوقفية تلك المنظمة بأن يديرها مختصون في الاقتصاد ويراقب عملها مختصون في الشريعة الإسلامية.

وإننا اليوم نتناول طرحاً جديداً وهو: إطلاق رخصة للرقابة الشرعية في مجال الوقف الخيري، فهناك مؤسسات مختصة تمنح المختصين في مجال الشريعة رخصة مراقب شرعية، وهي رخصة في مجال التدقيق الداخلي للمؤسسات وفق المعايير الشرعية، وبموجب هذه الرخصة يجوز له مزاولة عملية التدقيق الداخلي على المؤسسات المالية الإسلامية، وذلك بعد أن يقوم بدراسة مقررات في مجال الرقابة الشرعية، ويجتاز امتحانات في هذا المجال وبموجبها يحصل على رخصة الرقيب الشرعي.

والجهة المختصة بمنح هذه الرخصة هي مؤسسة «أيوفي» وهي مؤسسة غير ربحية مختصة بوضع المعايير الشرعية وتدريب المختصين في هذا المجال ومنحهم رخصاً تخصصية. وهنا نتمنى من تلك المؤسسة إعداد كوادر متخصصة في مجال الرقابة الشرعية في الأوقاف الخيرية، لتوفير الموارد البشرية المتخصصة والكفؤة لتطوير إدارة الوقف الخيري.

وهذا النموذج هو النموذج الأمثل لإدارة المشاريع الاستثمارية في ضوء المعايير الشريعة الإسلامية لتضمن إدارة الوقف الخيري من قبل مختصين ليكونوا قادرين على مراعاة مصلحة الوقف بطريقة مهنية احترافية. فالهدف الرئيسي من إدارة الوقف الخيري هو مصلحة الوقف الخيري لتحقيق النفع للموقوف عليهم.

وأخيراً نتمنى من المعنيين إعادة النظر في النموذج الإداري لإدارة المؤسسات الوقفية وتطويرها وفق الأساليب الحديثة.. ودمتم سالمين.