من الوقائع التي حدثت قبل أيام وتستشرف المستقبل البشري المثير، هو ما حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة حين صدر حكم من محكمة مدنية على شخص عربي، قضى بحرمانه من استخدام الإنترنت لمدة ستة أشهر، عقاباً له على الإساءة لشخص آخر بتسجيل مقطع صوتي في «الواتساب» يصفه فيه بالغشاش والمخادع.

وعلى الرغم من أن هذه الرسائل يتم تداولها بعشرات الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الأفراد في شتى دول العالم، وقد أصبحت جرائم عابرة للحدود، حيث تجد شخصاً في أقصى الشرق يتشاحن «افتراضياً» مع آخر في أقصى غرب الكرة الأرضية دون أن يعرفه أو حتى يتوقع أن يصل إليه ليتشاجر معه وجهاً لوجه و يضربه.

لقد باتت الشبكة العنكبوتية ساحة حرب غوغائية لا حدود لها والذي يتخيل شكلها في عقله سيتذكر الآية الكريمة التي تقول «وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض» وهذا هو فعلاً ما يحدث للبشر اليوم، فنحن نلقي بأنفسنا في أمواج عميقة ومتلاطمة من بحار ومحيطات الإنترنت، ونعود منها إما بالخير أو الشر، ولو أن الشر أصبح أكثر بأضعاف مضاعفة من الخير.

ثم جاء هذا الحكم الفريد من نوعه ليكمل العالم الافتراضي الذي يعيشه البشر، ويقرر حبس هذا الإنسان في سجن افتراضي ويعزله عن هذا المجتمع لستة أشهر، وهو عقاب لو سمع به أهل القرن الماضي لضحكوا علينا كثيراً واستخفوا بنا وبهذا الحكم واعتبروه سفهاً، ولكن.

تخيل أن تعيش بدون تليفون أو إنترنت لدفع فواتيرك أو إنهاء معاملاتك الحكومية بجميع أنواعها وأشكالها، وكذلك عدم القدرة على إبلاغ زميلك في العمل أنك لن تتمكن من متابعة المهام الأخرى التي تتم بعد الدوام، وإجبارك على إنهاء تأمين وتسجيل السيارة يدوياً أو بالاستعانة بشخص آخر «غير مسجون افتراضياً»، وعدم القدرة على مطالعة الصحف فتضطر للبحث عن صحيفة ورقية كل صباح.

بل تخيل أن يتم القبض عليك بتهمة الهروب من سجن الإنترنت وأنت متلبس باستخدام الهاتف ومطالعة السوشيال ميديا، أو مشاهدة مقطع فيديو أرسله لك صديقك، فما هي العقوبة التي ستطبق عليك في هذه الحالة يا مجرم يا عتيد الإجرام؟!

يتضح من هذه التخيلات والتوقعات أننا بدأنا مرحلة جديدة بعد إصدار هذا الحكم، وسنرى خلال الأشهر القادمة ما هو أغرب من ذلك وغير متوقع، فلا عجب اليوم في أي شيء يحدث.

أصبح الإنترنت اليوم حقاً من حقوق الإنسان التي ينادى بها في الغرب باعتبارها حقاً يجب على الدول أن تضمن توافره للإنسان ضمن حق العمل والسكن والتعليم، ووراء هذا الحق ستظهر قضايا حقوقية أيضاً جديدة بدأنا نسمعها في مناطق بدول العالم.

* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية