عاصمة العرب وبلد الضباب ومدينة الخليجيين، كلها ألقاب لُقّبت بها لندن ومازالت متداولة حتى اليوم. فلهذه المدينة مواقف وقصص مع العرب بدأت منذ أن كان للإنجليز هيمنة ونفوذ عسكري في مياه الخليج العربي قبل مائتي عام، ومنذ أن دخلت القوات البريطانية مصر في 1882، ومنذ أن انتهت الحرب العالمية الأولى في 1918 ونفّذت بريطانيا وفرنسا معاهدة سايكس بيكو التي قسّمت الأراضي العربية خارج الجزيرة العربية.

لندن حاضرة في تاريخ العرب بامتياز، فهي المدينة التي خرجت منها قرارات مصيرية أدت إلى تأسيس بلدان عربية وإلغاء أخرى وتنصيب حكام عرب وتنحية آخرين. هي المدينة التي رُسمت فيها حدود جديدة لدول عربية وأُلغيت حدود أخرى.

هذا تاريخياً، أما اليوم فلندن حاضنة للعرب بكافة انتماءاتهم وأفكارهم، فهي تجمع المعارض والمسؤول والغني والفقير والمتدين والملحد؛ تجمعهم كلهم دون أن يُلغي طرف الطرف الآخر، فتجدهم كلهم في لندن يتجولون في أسواقها وحدائقها و يشربون القهوة في مقاهيها ويسهرون في حاناتها بكل حرية وبدون أية قيود! فهي تكاد المدينة الوحيدة التي تجمع المتضادين من العرب دون أن يشعل ذلك شرارة الصدام بينهما.

ويصف الكاتب الإنجليزي الشهير سامويل جونسون لندن فيقول «إذا سئم الرجل من لندن فقد سئم الحياة» وهو مُحقّ في وصفه، فهي من أكثر المدن حيوية ونشاطاً على هذه المعمورة وتقدّم خيارات كثيرة جداً وعلى جميع الأصعدة لكل من يسكنها أو يزورها. ففيها أفضل المسارح على مستوى العالم وأعرق المكتبات وأقدم المتاحف وأفضل الأسواق، ومهما ارتفعت أسهم مدن ومحطات سياحية أخرى، تبقى لندن ذات مكانة خاصة جداً في قلوب العرب والخيار الأول في حال اختاروا السفر للراحة أو التعليم أو حتى الاستثمار.

كتبت هذه السطور وأنا في مقهى صغير أشاهد حركة عدة أفواج من «ربعنا» الخليجيين، بعضهم رجال وكثير منهن نساء متجهين نحو أكسفورد ستريت الذي تم رصفه في 1792 معلنين بدء جولة العصر المعروفة في سوق سلفريجيز العريق والذي افتُتح في عام 1908 وتعلو وجوههم ابتسامة عريضة تدلّ على الانشراح والسعادة ويتزينون بملابس واضح أنها جديدة وترافقهم نسمة من هواء لندن البارد العليل في يوم كانت السماء فيه مزدحمة بالغيوم وأجواؤه «لندنية» بمعنى الكلمة!