بعيداً عن تفرعات الجوائز وتفاصيلها وعن المنتدى الحواري المصاحب ومضامينه، وبعيداً عن المعايير وأهدافها، هنا سأتحدث عن أمانة الكلمة، بل عن الأحرف وخطورتها، فكثيرون يجيدون فن الكتابة وكثيرون يملكون ملكة التلاعب بالجمل والألفاظ، بل هناك من يملك قوة الإقناع، وهنا مربط الفرس، كيف يتمكن كل هؤلاء في الاستفادة من تلك المواهب في الصالح العام وتجيير كل تلك الميزات في تعزيز اللحمة الوطنية التي هي أساس من أسس الكتابة وركيزة من ركائز الأمن القومي.
إن الكلمة في ديننا الإسلامي الحنيف لها من الثقل الشأن العظيم، حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت»، هنا نتبين أهمية الكلمة وخطورتها في الوقت ذاته، فهناك عوائل وأسر تدمّرت بسبب كلمة وهناك منازل هدمت بسبب كلمة، وهناك أوطان خربت بسبب كلمة، وجماعات تفرقت على اثر كلمة، فيا ليت قومي يعلمون أهمية الكلمة بل حتى أهمية الأحرف التي تتشكل منها الكلمة.
وهنا سأوجز باختصار كيفية الاستفادة القصوى من جائزة رئيس مجلس الوزراء للصحافة في نسختها الثامنة وكيفية استثمار الحريات بشتى أنواعها التي يرعاها جلالة الملك المعظم في إعلاء شأن الوطن، الوطن الذي قدر أهمية الكلمة منذ قرون، الوطن الذي شهد الأسبقية في المجال الصحفي والإعلامي عبر رواده ومبدعيه، أولئك الرواد الذين خلفوا لنا إرثاً من الأمثلة الوطنية التي تساهم في تعزيز الوطنية وزرع روح المحبة والتعاون والتعاضد، الكلمة التي تبغض الحقد والكراهية والفرقة، تلك هي أسمى أهداف الكلمة سواء كانت جهرية أو مكتوبة أو في أي قالب من قوالب الصحافة من أعمدة أو حوار أو استقصاء أو حتى خبر.
لتكن جائزة رئيس مجلس الوزراء فرصة لنعيد من خلالها كيفية صياغة الكلمات والتفكير قبل إسالة أي نقطة حبر على حرف، فالكلمة إن خرجت لا تستطيع جحافل الجيوش في ألعالم إرجاعها ولا حتى محوها، ومن هنا أشدد على ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، قيسوا وزنوا كلماتكم على ميزان الوطن، فإن ثقلت فاجعلوا الوطن نصب أعينكم، وليكن محتواكم هدفه المصلحة العامة لا الشخصية، وساهموا بأن تكون كلماتكم عامل بناء لا هدم.