مع إشراقة ربيع الأول من كل عام تهفو النفس إلى طلائع النبوة المحمدية لتغسل الأرض المدنسة بضنك الحياة، بذلك النور المحمدي الساطع.. نور يطل بدره المنير في قلوب محبيه، وقلوب كل المتعطشين لرؤية صاحبه الذي سطر برسالته أجمل معاني الأمل، وخط بيمينه أروع دساتير الحياة، وبزغت من شخصيته أنبل معاني الأخلاق، فإذا تكلم أجاد البيان، واختار محاسن الكلام، في روعة بالغة وصواب لا يعتريه النقص والشك، ولا ينحدر معه الضعف والهوان، عذوبة وسلاسة في الفكر والمنطق، ونظرات متأملة لكون جميل مبدع الصنع، هناك في فترات التأمل الأولى صاغها بخطواته الأولى في غار حراء، الذي أشرقت منه شمس الإسلام، فكان عليه السلام قرآناً يمشي على الأرض، وضرب أروع الأمثال في قيادة الأمة، ونشر الدعوة، فكنا هنا اليوم نحمل رسالته الخالدة، وكلامه العذب الأصيل، نحتضنها إلى الرمق الأخير من حياتنا.
وأولى دلائل المحبة لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم بتجديد محبته في النفس بين الفينة والأخرى، وتأصيلها على أرض الواقع، قال الله تعالى في محكم التنزيل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم). وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين». وها هو النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: «والله لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا نفسي». فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك». فقال عمر: «الآن أحب إلي من نفسي». فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر». وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..». فهل انصهرت أحاسيسنا في دوحة حبه وأيقظنا مشاعرنا من رقادها، فهي لا تفقه في أحيان كثيرة كيف تحب نبيها وتستقي من سيرته ذلك العطر الفواح الذي تشتد رائحته الزكية في كل حين؟؟
وثانيها وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام، طاعة تستوجب أن نتوثب نشاطاً في كل حركاتنا وسكناتنا للاقتفاء بأثره عليه الصلاة والسلام، طاعة تشفع لنا عند الملك الديان، ونرزق بها يوم القيامة شفاعة الحبيب عليه السلام، ففي موقف القيامة يقول المولى العظيم: «يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع. فيقول صلى الله عليه وسلم: يا رب أمتي.. أمتي..». ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: («أوصد الله أبواب الجنة إلا من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فحرام أن يدخل الداخل من أمته الجنة إلا من طريقه، فالذي لا يأتي من طريقه، فليس بداخل أبدا والجنة عليه حرام».
وثالثها الصلاة والسلام عليه، كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً». وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت». قال: قلت الربع؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت النصف؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قال: قلت فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك».
ورابعها أن نكون كمثل تلك الحديقة الجميلة التي تثمر زهورا تجملها بأحلى الألوان كذيل الطاووس الزاهية، فتتجمل أنفسنا وألسنتنا وأفعالنا وقلوبنا وحركاتنا وسكناتنا وفكرنا وجدنا ومزاحنا وكل حياتنا بتلك الصفات النابضة في العروق والمتألقة في شخصيته صلى الله عليه وسلم، في نفسه أولاً ثم مع أهله وأحبابه وصحابته وفي دعوته لكل العالم.. بل مع إخوانه.. من هم إخوانه؟ قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «يا أبا بكر! ليت أني لقيت إخواني، ليت أني لقيت إخواني، فإني أحبهم». فقال أبوبكر: «يا رسول الله! نحن إخوانك! قال صلى الله عليه وسلم: «أنتم أصحابي. إخواني الذين لم يروني وصدقوني وأحبوني، حتى أني لأحب إلى أحدهم من ولده ووالده». ألا نخجل من أنفسنا بأن نكون إخوان النبي صلى الله عليه وسلم وأحبابه، فنقصر في حبه وطاعته والاقتداء بسنته والتأسي بأخلاقه؟؟
شوقي إليك يا نبي الهدى يزداد، وشوقي إلى التلذذ بمرافقتك في جنات النعيم، وإلى أن نتلذذ من يدك الشريفة بشربة من أنهار الكوثر والتسنيم، وإلى شفاعتك عندا لرحمن الرحيم.. صلى الله على نبينا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.