يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: «الإسلام يعمل على تحويل الصبر إلى رضا في المجال الذي يصح فيه هذا التحول، ولن يتم تذوق النفس لبرد الرضا بإصدار أمر جاف، أو فرض تكليف أجوف، كلا، فالأمر يحتاج إلى تلطف مع النفس، واستدراج لمشاعرها النافرة، وإلا فلا قيمة لأن تقول: أنا راض، ونفسك طافحة بالضيق والتقزز!! وأول ما يطلبه الإسلام منك أن تتهم مشاعرك حيال ما ينزل بك.. فمن يدري؟ رب ضارة نافعة، صحت الأجسام بالعلل، رب محنة في طيها منحة.. من يدري؟ ربما كانت هذه المتاعب التي تعانيها باباً إلى خير مجهول، ولئن أحسنا التصرف فيها لنحن حريون بالنفاذ منها إلى مستقبل أطيب، و(عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون). إن أكثرنا يتبرم بالظروف التي تحيط به، وقد يضاعف ما فيها من نقص وحرمان ونكد، مع أن المتاعب والآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة، وما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط ركام من المشقات والجهود».
هكذا يجب أن نخرج من مفاهيم الحياة الضيقة، إلى مساحاتها الرحيبة، هناك بعيداً عن أسراب الحزن ومتاهات الليل السرمدي، نطلب فيها حياة هانئة مستقرة سعيدة، لا علاقة لها بذلك الطائر الضعيف الذي ظل مكسور الجناحين على أغصان الحطام الحياتي، تعساً لحياة ظلت فيها أنفسنا تقبع في قعر نيران الحزن والضيق والضجر من ركام الحياة ومتاعبها، وطوبى لحياة فتحت أحاديثها على دنيا من الخيال، وبشاشة من الجمال، وقطعت ذلك الجذع المخيف من ميدان حياتها، لتقول في نهاية المطاف: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم).
فكم أنت عظيم..
عندما تهش وتبش وتبتسم لمشاق الحياة ومتاعبها وآلامها فأنت عظيم.
عندما تلطف نفسك بآيات الرضا عن حالك وأقدار حياتك فأنت عظيم.
عندما ترهف أحاسيسك بحروف الإيمان واليقين والثقة برب العالمين فأنت عظيم.
عندما تتطابق أقوالك مع أفعالك، وتصبح أنموذجاً في حياة الآخرين فأنت عظيم.
عندما تقابل كل ضجر وكل ألم وكل حوادث الأيام بنفس راضية مرضية فأنت عظيم.
عندما تغض الطرف عن مزعجات الآخرين وتدخلاتهم المريبة فأنت عظيم.
عندما تتسامح وتتغافر وتتغاضى وتمسح أخطاء من تحب من نفسك فأنت عظيم.
عندما تسعد بغرسة تغرسها في حديقة منزلك، أو في حدائق الآخرين فأنت عظيم.
عندما تحرص بأن تكون نجماً ساطعاً داخل أسرتك، تمرح، تبتسم، تمزح، تكتب خيراً، تحتضن مهموماً، فأنت عظيم.
عندما يرفرف علمك في مدرسة الحياة بعطائك وبصماتك وتضحياتك فأنت عظيم.
عندما تشعل شعلة الخير والصفاء والهداية في طريق الآخرين فأنت عظيم.
عندما تطوي صحائف الحزن ولوعات الأسى إلى غير رجعة فأنت عظيم.
عندما تطلب لذة النظر إلى وجه الله الكريم، والفردوس الأعلى، ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنت عظيم.
عندما تكون سفيراً للأخلاق في كل أرض تطأها، وأنموذج خير في كل محيط تخالطه فأنت عظيم.
عندما تعشق تلك الأرض التي ولدت عليها، وذلك الوطن الذي ترعرعت بين أكنافه، فنبتت على أرضه أروع معاني الحب والولاء والعطاء لأرض أعطتك الكثير، فأنت عظيم..
كم أنت عظيم يا صاحبي عندما تزكي نفسك بمحبة الله الخالصة، وتطهرها من الطبائع الفارغة، وتمضي في ركب الحياة بابتسامة خير مخلصة، إنك بلا شك ستكون واحة خير تجذب القريب والبعيد، وستسعد بنفسك عندما تكبح جماحها عن التوافه، وعن تلك الأعاصير النفسية المدمرة التي لا تجعلك تنظر لإيجابية الأمور، بقدر ما تجعلك تغوص في غاشية التيهان والشؤم من لحظات الحياة.
كم نحن بحاجة ماسة لكي نبتسم ونسعد حتى نكون من العظماء، لا تؤثر في نفوسنا عوارض الدهر، ولا ننشغل بظلام الحياة، بل تهفو نفوسنا دائماً للانشغال بدوحة الخير، فنجابه كل معترك دنيوي بنفس تقبل التحدي من أجل أن يسري في دمها كل ومضات الخير، وتبصم بصمات الخير في كل طريق تسير فيه، وفي كل ميدان تعمل فيه، وفي كل يد تصافحها، وفي كل تقاسيم وجه تقابله، هكذا يجب أن نكون شعلة خير وشخصية فذة، حينها نستطيع أن نقول: «بأنك عظيم»، لأنك عشقت الأجر وتركت هموم العيش ولذائذ الحياة، ونظرت لأفقها بمنظور التفاؤل والأمل، وعشقت ما أعده الله للمخلصين من عباده، واحتسبت كل حياتك له.
تذكر يا صاحبي، لا تحزن، فأنت عظيم، نعم عظيم.