يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وورد عن زيد بن أسلم أنه قال: «كان رجل يطوف على العلماء، يقول: من يدلني على عمل لا أزال منه عاملا، فإني لا أحب أن تأتي علي ساعة من الليل والنهار إلا وأنا عامل لله تعالى، فقيل له: قد وجدت حاجتك، فاعمل الخير ما استطعت، فإذا فترت، أو تركته فهم بعمله، فإن الهام بعمل الخير كفاعله». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها».
أحببت حب الخير وسعيت من أجله، وبصمت بصمته وبعثت مراسيلها للوحات الحياة، وعشقت صدى الأيام التي علمتني كيف يسري دبيب الخير في شراييني.. عشقت تلك الأيام الحلوة التي مهدت لي الطريق لأترنم بواحات الأجر في ميادين الخير.. تعلمت من خلالها الكثير، وانخرطت في أكثر من ميدان، وتغلغلت في نفسي مسؤولية جسيمة عمت شهرتها الآفاق، وحسبتها خطوة بسيطة نحو الأمام، ولكني أيقنت بعد انقضاء الأيام بأنها عتبة واحدة من عتبات كثيرة لا بد أن أطأ عليها عتبة بعد الأخرى، حتى تعطيك أكبر الأمل لتحصيل الأجر والانخراط في عوالم رائعة من «أعمال الخير».
هي موجة جميلة تمر عليك في كل لحظات حياتك، وظل يقترن بحركاتك كلما غدوت في طرق الحياة، هي نظرات بارعة، ونغمات رائعة، وأصداء جميلة، نحاكيها كلها في مواقف حياتنا، حتى نحس بأننا مع الله في جميع حركاتنا وسكناتنا، بعبارة واحدة نرددها «ما أجمل فعل الخير»، حينها تحس بلذة السعادة وهي تعانق أطياف حياتك. يقول الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «لا قيمة أعظم ولا أسعد ولا أدوم من أن تكون مع الله في كل أحوالك وهو يهديك ويرضيك». تكن مع الله بأعمال الخير وبصبغة الخير في كل أحاسيسك وأحاديثك وابتساماتك المعبرة، وتجملها بعاطفة صادقة نحو كل عمل خير، وحب عميق لمالك الملك أولا، ثم تجود به مع من يصاحبك العمل في «دوحة الخير». وما أروع ما قاله شيخنا الطنطاوي رحمه الله: «إذا شئتم أن تذوقوا لذائذ الدنيا، فجودوا بالحب وبالعواطف كما تجودون بالمال».
وعلى طريق الخير، تتعدد ميادين العطاء، وتتنوع فيه أساليب البذل، ويتفنن الجميع بالتضحيات، فكل نفس اختارت حجم الأجر التي ترغب به، من عمل تملأ به وقتها، وإخلاص في كل أفق تفتش فيه عن علامات الخير، وثقة كبيرة بتوفيق المولى العليم للعمل في ميادين الخير، مع ثبات على المبدأ الأصيل، ورغبة جامحة في المزيد من العطاء الحياتي، يقابله طور متجدد من النماء الإيماني، والأروع من ذلك كله أن تعايش قصص نجاح حياتية لأفراد عانقوا كل نسائم الخير، وأضحت حياتهم مسخرة لعمل خيري واجتماعي يعطيهم «بركة في حياتهم» وتوفيقا في أمورهم، ليكون الحصاد الأخروي وفيرا بعون الله تعالى.
لقد بان الوجه المشرق للعمل الخيري في بلد الخير البحرين بصورة رائعة في الداخل والخارج سواء على صعيد المؤسسات الرسمية أو الأهلية، والتي باتت ـ بأصحابها العظماء ـ تضرب أروع الأمثلة بنجاحاتهم الخيرية على كافة الصعد، فهم أسسوا وما زالوا عملاً خيرياً واجتماعياً جميلاً وفق أحدث الأساليب، وتحملوا معه مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه المجتمع، فخلقوا فرقا خيرية وتطوعية رائعة جابوا بها الآفاق، وطورا العنصر البشري بما يتلاءم وحجم «الخدمة الخيرية» التي يجب أن يقدمونها للآخرين، وحسنوا الأداء وقربوا العلاقات بما يضمن لهم نجاح عملهم الذي ابتغوا به وجه الله تعالى.
ولعل ما يقوم به الفريق العامل المنسجم و»الأسرة الواحدة» بالمؤسسة الخيرية الملكية التي تبنى رعايتها عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، فيه الأثر الكبير في نماء العمل الخيري وبلوغه الآفاق الرحبة لنجدة المحتاجين والمنكوبين، ولقد أكرمني المولى تعالى بالعمل ضمن هذا «الإطار الخيري» ومع مجموعة من الموظفين الرائعين الذين تحمسوا لنجدة المنكوب، وحملوا على عاتقهم إعانة المحتاج، ورعاية الأرامل والأيتام.
هذا الفريق الذي عمل الكثير منذ نشأة المؤسسة واستطاع بفضل الله تعالى أولا ثم بفضل الرعاية الملكية الحانية ودعم الإدارة أن يطور العمل ويحمله على عاتقه بقلب صاف محب للخير، ونفس تضيء بالخير، حتى أضحت تحظى بنظرات الإعجاب والتقدير والإكبار لما قامت به من جهود حثيثة لاحتضان كل محتاج، وإغاثة المنكوبين في عدة دول.
هذا ما نطمح إليه، نحمله بأيدينا كمشعل هداية لكل البشرية، نهب لتقديم الخير بعزم متمكن ونشاط متوثب، ونفس طموحة صافية تحب الخير لغيرها كما تحبه لنفسها، بارك الله في الجهود وسدد الخطى.