عندما نلتفت إلى معالم البلدان الثقافية نجد أن من أولوياتها الاهتمام بالمسارح الوطنية ودور الأوبرا.. فالكثير من الدول الأوربية المتقدمة اتجهت بعد الانتهاء من الحروب إلى الإعمار وإعادة بناء تلك المعالم الثقافية التي دُمرت من آثار الحرب.. لكونها ثروات ورموزاً للنهضة والحضارة الثقافية الأدبية.

إن مسرح البحرين الوطني الذي افتتح في 12 نوفمبر 2012 بحضور حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وعدد كبير من وزراء الثقافة العرب والمثقفين والسياسيين.. ونخبة من الشخصيات ورجال الأعمال حيث يقع على واجهة بحرية خلابة وبطراز معماري رائع مستوحى من عالم ألف ليلة وليلة.. ويضم 1001 مقعد بمبنى زجاجي رائع ذي سطح ذهبي جميل يزداد روعته بانعكاسه على سطح الماء.. هذا الصرح ما هو إلا تجسيد لثقافة البحرين التي طالما حلم به المثقفون والمسرحيون.. وهو رسالة حب وأمل بعد أحداث فبراير 2011 وبأن مملكة البحرين هي بلد الأمن والأمان.. الفن والسلام.. التطور والحضارة.. الثقافة والجمال.. وليحمل هذا المبنى الثقافي للشعب البحريني عناوين للحمة الوطنية التي ترعرع وتربى عليها.

هذا المسرح الذي يعتبر ثالث أكبر مسرح عربي بالشرق الأوسط بعد دار الأوبرا المصرية ودار الأوبرا السلطانية العمانية.. بدأ كفكرة رائعة من معالي الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة ليرى النور بفضل دعم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه.. وهو جاء بمثابة التتويج وكهدية ثمينة لجميع مثقفي البحرين والمهتمين بالحركة الثقافية.. ترى ألا يستحق هذا الصرح أن يفعّل طوال العام؟ وأن يضم عروضاً ومواهب وكوادر بحرينية مدربة ومهيأة لتكون بمستوى هذا المكان؟؟

بدأ مسرح البحرين الوطني بمجموعة من العروض العالمية والعربية بهدف تعزيز مكانة البحرين الثقافية والفنية.. وتبادل الخبرات والثقافات.. وليكون مستقبلاً لأرض خصبة للفنون والعروض البحرينية التي تتمتع بمستوى فني تاريخي عريق من الناحية الموضوعية يضاهي العروض العالمية التي قدمت عليه.. وهو طموح جميل ومشروع لكل مسؤول يخطط لمستقبل الفنون في بلده.

لكن هل الواقع يترجم حجم هذا الطموح؟!

إن العروض التي تقدمها المسارح الأهلية منذ ظهورها مازالت تراوح في مكانها كعروض تقليدية يندر فيها الابتكار والتطور في وضع خطة لإعداد الشباب الموهوب إعداداً مبتكراً يتناسب مع تطوّر المسرح وإمكانياته الفنية.. إن تاريخ المسرح البحريني الطويل الذي يمتد من عام 1925 حتى الآن.. مازال يتصف بغالبية العروض التقليدية الجامدة.. يا ترى لماذا لا ترتقي الفنون لدينا إلى مستوى إمكانيات المسرح الوطني الفنية .. حتى تفسح لنفسها مكاناً للعرض عليه؟

إن شكوى المسارح الأهلية الدائم والمستمر بشح الإمكانيات المادية لن يحرك العجلة إلى الأمام فالشكوى وحدها لن تطور العمل ولن تساعد على الارتقاء بالعروض الفنية.. فبأبسط الإمكانيات يخلق الإبداع بشرط وجود الموهبة.. وأن الحلم الثقافي البحريني الذي طالما حلمنا به وهو الارتقاء بالفنون البحرينية المسرحية.. أما آن الأوان ليتحقق؟؟!!

من وجهة نظري.. أعتقد أن الوقت قد حان لدعم المسرح الوطني وتطويره وإنشاء خطط مدروسة حتى لا يقف نشاطه ويكون فعالاً طوال أشهر السنة.. بل وتستخدم إيراداته لدعم المشاريع الثقافية سواء كانت خاصة بالمسرح أو الموسيقى، وطموحي كمهتمة ومتابعة للعمل الثقافي وحلم أي إنسان يعلم بأن المسارح هي مَعلَمْ من معالم البلد.. أن تتمع عروضنا المحلية بالجاذبية الجماهيرية وتستقطب حولها الجمهور البحريني والسياح من الخارج.. تماماً كما نفعل نحن عند زيارتنا للدول الأجنبية.. فنحن لا ينقصنا سوى تدريب المواهب وصقلها ومتابعتها ودعمها فنحن أولاً وأخيراً بحاجة إلى عروض فنيه وافية الشروط من حيث اختيار المواهب والمواضيع والموسيقى والديكور بكل التفاصيل التي تحقق العرض المسرحي الناجح فنياً وجماهيرياً.

إن المسرح الوطني مشروع وطني ثقافي كبير.. ووجوده في خارطة البحرين الثقافية ضروري والإمكانيات والاستعدادات المتاحة فيه كبيرة لاستضافة العروض الفنية والأوبرالية والأوركسترالية العربية والأجنبية.. والمطلوب هو دعم الجهات المسؤولة والقطاع الخاص بالتحديد وبسخاء لهذا المسرح الوطني كي تستمر عروضه.. وما زيارة جلالة الملك المفدى وضيفه الكريم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسى إلا رسالة مفادها أن الحلم الثقافي للارتقاء بالفنون ممكن التحقيق.. فقط عليكم العمل على التخطيط البناء والمستقبلي.. فالفنون لا ترقى سوى بالعمل المستمر على دعمها.