الدور المحوري للشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، وهو الرئيس الرسمي للإدارة الخيرية للتعليم، وأعضاء الإدارة الخيرية للتعليم، كلها أسماء فرضت وحفرت ذاتها على وثائق التأسيس الأول لنظامية التعليم، فلا يزال الحديث عن هذا التأسيس الأول مستمر ويأبى النسيان، بالرغم من قصور في الكتابات المعاصرة وخاصة ونحن نواكب مئوية التعليم. إذ بعد مرور قرن، كم أتمنى أن يتم تخليد ذكرى التأسيس وأعضاء الإدارة الخيرية للتعليم وإنجازات هذه الإدارة الفذة بالصور والوثائق القديمة، تلك الإدارة التي تكونت النواة الأولى لها في بين طرقات جزيرة المحرق وتحديداً في بيت نائب حاكم البحرين وقتها، مجلس الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة. بل كم أتمنى أن يتم إبراز إنجازات هذا الهيكل التعليمي الفريد من نوعه في المنطقة العربية بأسرها والذي تم اختيار اسم هذا الهيكل وأعضاءه الأربعة عشر وتم تأسيسه خلال فترة العشرينيات. قبل قرن، هذا الهيكل الذي من خلاله حدث أبرز نمط لتحول التعليمي في البحرين، بل وانتشرت ارتداد لموجات التعليم في منطقة الخليج العربي حينها بعد تأسيس الهداية الخليفية والتي أشرفت عليها الإدارة الخيرية للتعليم. تم تأسيس الإدارة الخيرية للتعليم في مدينة المحرق خلال أواخر العام 1919.

ضمت هذه الإدارة شيوخ وشعراء وأدباء وتجار وتربويين ورجال دين أربعة عشر، فهذه الإدارة هي خليط من عدة مشارب في المجتمع البحريني، الذي هب إلى بيت نائب الحاكم ليشهد هذا التأسيس. تبرع الشيخ محمد بن عيسى بن علي آل خليفة بالأرض التي أقيمت عليها مدرسة الهداية في شمال المحرق، وافتتح التبرع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عنه وعن أهله، وبلغ مجموع التبرعات بعد الاكتتاب 300 ألف روبية. استمر عمل هذه الإدارة لمدة ما يقارب العشرة أعوام، والأهم هو ما قدمته هذه الإدارة هو التأسيس المؤسسي وهيكل إدارة التعليم حينها الذي شمل على عدة بنود قاربت 90 بنداً وقانوناً للتعليم والإشراف على بناء مدرسة الهداية في شمال المحرق. فضلاً على هذا، ولعل من إنجازات إدارة التعليم حينها، كانت الإدارة سباقة وذات الفضل لبناء وافتتاح مدرسة الهداية الخليفية في شمال المحرق والبدء خلال عام 1921 في الهداية الخليفية في المنامة وثم في الحد والرفاع والبدء في تأسيس تعليم الإناث بتأسيس المدرسة الخليفية في المحرق والمدرسة الخليفية الأميرية للإناث في المنامة، كمنظومة واجهت الإدارة خلالها عدد من الصعاب التي تغلبت عليها. ولا شك في أنه يجب الإشادة بدور المرأة البحرينية خلال تأسيس تعليم البنات، إذ لعبت المرأة البحرينية دوراً محورياً لقبول الفكرة مع الدور الذي قامت به زوجات الأساتذة الذين وفدوا للبحرين مع أزواجهم للتعليم.

ولعل من إنجازات إدارة التعليم حينها، أن كان العمل المنظم والتقسيم الإداري للإدارة الفضل في المضي قدماً بجلب والتعاقد من مدراء ومدرسين ومن ثم مديرات ومدرسات ساهموا في الرقي بالتعليم وبالرغم من حداثة التجربة. ولعل من الأسماء اللامعة التي تم التعاقد معها وبرزت خلال فترة العشرينيات السيد عبدالله صدقة دحلان وهو إمام ومدرس بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، والسيد حافظ وهبة ذو المؤهل الأزهري، والشيخ عبدالعزيز العتيقي من الحجاز، والسيد محمد عبدالله اليماني وهو عالم أزهري الذي لم يكن تقليدي بل تعدى لتعليم علم الجبر والهندسة والفلك. أما المدير الآخر والذي أيضاً جاء إلى البحرين فهو السيد عثمان الحوراني الذي كان بارع في النشاط المسرحي والرياضي وأيضاً كان شهد افتتاح أول مدرسة للبنات في المحرق عام 1928 التي اتخذت منزل من المرحوم عبدالرحمن الزياني في جنوب المحرق موقع لها. وفي هذا الإطار، لا ننسى أيضاً الشاعر محمد الفراتي الذي عمل في الهداية في المحرق والسيد عبدالعزيز الرشيد من الكويت والذي عمل في مدرسة الهداية الخليفية في المنامة. أي يمكن القول بأن الشخوص التعليمية والتربوية التي عملت مع الإدارة للتعليم وخلال العشرة أعوام، لم تكن شخوص اعتيادية فهي التي ساهمت مع أعضاء الإدارة في تشكيل نمط التعليم خلال مرحلة التأسيس.

عشرة أعوام من عمر الإدارة الخيرية للتعليم، كانت هي بمثابة دارة معارف أولى في منطقة الخليج العربي، فهي بحق تجربة فريدة من نوعها. وفيما يخص الأعضاء الذين تشرفت أسمائهم بعضوية هذه الإدارة، أذ كما أسلفنا مسبقاً، فقد ضمت إدارة التعليم هذه عدداً من الشيوخ وأدباء وتجار ورجال دين، ولعل ذاك التنوع بين أعضاء الإدارة كان له الأثر الواضح في نمط التعاقد واستحضار وجلب المدراء والأساتذة خلال تلك الحقبة من تاريخ تأسيس التعليم النظامي في البحرين.

ولعل من إنجازات إدارة التعليم حينها، ذات علاقة بمنهج التعليم الذي تبنته الإدارة والبدء به في مدرسة الهداية الخليفية في المحرق، في زمن انحدار وتقلص تجارة اللؤلؤ والبحر بعد أعوام من الازدهار في المنطقة، إذ تشير المراجع أن عدد السفن الخاصة بالغوص كانت قد صلت إلى 500 سفينة مع بداية الثلاثينيات، مقارنة مع بداية القرن الفائت والتي وصلت عدد سفن الغوص إلى 900 سفينة.

أي يمكن القول بأن عمل إدارة التعليم كان لها السبق في تبني مناهج تتناغم مع طبيعة مرحلة الذبول في طبيعة التجارة التي بدأت قبل العشرينيات ومع البدء لحقبة الثلاثينيات التي تميزت باكتشاف النفط وتحول طبيعة بعض المهن من الارتباط بالبحر إلى الصناعة. ولعل من إنجازات إدارة التعليم حينها، أنها عملت على إرسال أول بعثة بحرينية للدراسة خارج البحرين، إذ ذهبت هذه البعثة إلى الدراسة في جامعة بيروت الأمريكية كانت في عام 1928 والتي شملت عشرة طلبة من البحرين، وكانت مصاريف البعثة قد كلفت 130ألف روبية.

ولعل من إنجازات إدارة التعليم حينها، أنها اتخذت قراراً بأن مناهج التعليم ترتكز على اللغة العربية، وهذا بحد ذاته خطوة تأسيسية ذات أهمية بالنسبة للبحرين، برزت نتائجها بعد سنوات من تأسيس التعليم. مع بزوغ فترة 1930، واتساع رقعة التعليم وازدياد الطلبة والطالبات، انتقلت إدارة التعليم من النمط الأهلي أو المجالس الأهلية إلى إدارة الدولة الرسمية، بعد قرابة عشرة أعوام حافلة من العطاء خدمة للعمل الوطني. ونظراً لازدياد واتساع رقعة وعدد المدارس، إذ بعدها تم تطوير التعليم خلال السنوات والعقود اللاحقة وصولاً إلى المرحلة المعاصرة المحدثة من التعليم.

كم نحن بحاجة لاستذكار أعمال الإدارة الخيرية للتعليم خلال تلك الأعوام العشرة التي برزت خلال فترة العشرينيات، وهي المرحلة المهمة والمضيئة التي ساهم شيوخ ورجالات البحرين بتأسيسها والذين نذروا أنفسهم ووقتهم الثمين من أجل العمل الطوعي من خلال الإدارة الخيرية للتعليم. نعم، نحن بحاجة لاستذكار تلك الجهود خلال العشرة أعوام وحفظ وثائقها وصورها التي لا تزال لم تفقد وتتلف بعد، وعرضها بصورة تقنية جديدة تناسب لغة العصر من حين لآخر، حفظاً لوثائق التأسيس ولرد الشكر والعرفان لشيوخ ولرجالات البحرين الذين عملوا من خلال تلك الإدارة، وعلى ما تم إنجازه من تاريخ البحرين بالرغم من قدم المرحلة وقلة الرصد والتوثيق.