تمتلكُ الشّيخة مي آل خليفة، رئيسةُ هيئة الثَّقافة والآثار حسّـاً عالياً بأهمية اللحظة التَّاريخيةِ، ودورِ الأحداثِ الكبرى في تشكيل الهويةِ الوطنيةِ وذاكرتها المرجعيةِ. ولذلك نجدُها تلتقطُ تلك اللحظاتِ، وتتوقفُ عندها، احتفاءً وتذكيراً وتوظيفاً، بمعرض، أو ندوة، أو إصدار جديدٍ، أو غير ذلك من أشكال الفعل الثَّقافيِّ. فتُلفتُ النَّظرَ إلى ما هو مهم ومؤثر في تاريخ البلدِ، بكل الوسائلِ المُتاحةِ. سواء من خلال الفضاءات الرَّسميةِ أو الأهليةِ، بالرُّغم من نُدرةِ المواردِ، وشحِّ المُوازناتِ الدَّائمِين. دفعني إلى هذه المُلاحظةِ، الاحتفاءُ الأخيرُ بمئويةِ «تأسيسِ النَّادي الأدبيِّ في البحرين»، بافتتاحِ معرضٍ بهذه المناسبةِ في مدرسة الهداية الخليفية. حيثُ جاءَ تأسيسُ هذا النَّادي في العام 1920، مُباشرةً في العام التَّالي لنشأةِ التَّعليم النِّظاميِّ في العام 1919 في تلك المدرسةِ التَّاريخيةِ.

ويُقدِّمُ المعرضُ عدداً هامّاً من الصُّـــورِ النَّادرةِ والمراسلاتِ الأصليةِ للنَّادي والنُّصوص التأسيسيةِ، الخلفيةَ التَّاريخيةَ التي أفضت إلى تأسيسه، ودورِه في إثراءِ الحركةِ الأدبيةِ والثَّقافيةِ وإغناءِ حركةِ التَّنويرِ، ودور رواد الحركة الأدبية والفكرية في نهضة البحرين الثقافيةِ.

تلتقطُ الشيخة مي تلك الأحداث في لحظاتِها الرمزيةِ التي أثَّرت ليس في الحياةِ الثَّقافيةِ فحسب، بل وتوظفها في إثراء الواقع وتعزيز الهويةِ الوطنيةِ. فيما لا يهتمُ بذلك إلا القليلُ القليلُ من النَّاسِ، بمن فيهم بعضُ المشتغلين بالثَّقافةِ. فالشيخة مي تعمل في كل اتجاه من أجل البحرين وهويتها والرفع من شأنِها الثَّقافيِّ. جميعُ أعمالها، وأنشطتِها، تصبُّ في هذا الاتجاهِ.

ففضلاً عن دورها اللافت والمؤثر في العمل الثقافي الرَّسميِّ، فقد أسَّست مركزَ الشيخ إبراهيم الذي تحوَّل إلى مركزِ إشعاعٍ للثَّقافة والتَّنويرِ، وبيتَ الزَّايد للتراث الصحفيِّ البحرينيِّ، ليُشكِّلَ إضافةً ثقافيةً نوعيةً لحفظ التُّراثِ الصَّحفيِّ، وغير ذلك كثيرٌ. تعاملت مع جميعِ الأطيافِ باحترامٍ وتوازنٍ، وتمكنت من بناء شراكات مع القطاع الأهلي لإنجاز المشروعات الثقافية، لاقتناعِهِ بجدارتِها بالثِّقةِ وقناعتهِ بجدوى ما تُنجزُه على الأرضِ.

إن الحضارةَ تُصنعُ بالفكرِ وبالإبداعِ والجهدِ، وبالحضورِ المُتواصل في تأسيسِ ملامح التَّجديد والتَّنوير والتَّحرير للإنسانِ من القيودِ والمكبِّلات، ومن التَّخلف والنّزعاتِ التَّكرارية التي تجعلُ المجتمعَ يدور في حلقةٍ مفرغةٍ، لا فكاك منها. ولذلك، لا يمكن لأيِّ دولةٍ، مهما كانت درجةُ تطورِها الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ، كما حضورها السِّياسيِّ في العالم، أن تكون مُؤثرةً ومُشعةً، وقادرةً على تحقيق الإضافة في عالم اليوم، دون حضور ثقافيٍّ مؤثرٍ، ودون امتلاك الرُّؤى الإبداعيةِ المُنتجةِ، لتجاوز العوائقِ الذِّهنيةِ والتَّاريخيةِ والاجتماعيةِ التي تُعيقُ التَّقدم في مواجهةِ أسئلةِ العقلِ، الانخراطِ في دورةِ الحداثةِ ومقاومةِ النِّسيان والتغييب، ومواجهةِ التَّحدياتِ بكافةِ أشكالها.

ولذلك لا مناص ولا خيار لنا سوى تقديمِ المزيدِ من الدَّعم للثقافةِ، لأنَّها كلُّ ما يبقى لنا بعد أن ينتهي كلُّ شيءٍ.