على مدى السنوات، رأيت وسمعت وعايشت عدداً من القصص التي تدمي القلب حول معاناة النساء المعنّفات نفسياً وعاطفياً -لن أتحدث عن العنف الجسدي- ورأيت الحال الذي آلت إليه العديد منهن من كره للذات وفقدان الثقة بالنفس والعزلة عن الناس والإصابة بالاكتئاب وصولاً إلى درجات متقدمة من المرض النفسي أو العضوي ثم الموت. نعم بعضهن توفّين للأسف! وكنت أرى تأثير القهر البطيء والمستمر على صحتهن النفسية والجسدية، وكيف كان ينهش قلوبهن بلا رحمة ويتركهن على قارعة الأسى.

من المعروف أن العنف لا حد له، ودرجاته متعددة، مع اختلاف قوة تأثيره فما تحتمله واحدة قد لا تحتمله أخرى. فالعنف قد يكون في شكل نظرة احتقار من الزوج تأثيرها أشد من ضربة سوط، وقد يكون في شكل كلمة مسيئة صداها أعمق من جرح سكين، وقد يكون «الظهر» الذي يديره الزوج في وجه زوجته وأولاده أسوأ من الحرق بالنار! أضف إلى سلة الأوجاع: الإهمال والتهميش، كثرة التغيب عن المنزل، عدم الاحترام، قلة الإنفاق أو عدمه، الخيانة.. إلخ. كل هذه الممارسات لها القدرة على حذف الزوجة في بئر من الألم لا قرار له، ومع ذلك «العرض يجب أن يستمر»، وهذا «المركب المنحوس» المسمى بعش الزوجية يجب أن يمضي من أجل الأبناء ومن أجل العيش والملح. «الملح» الذي تحّول سماً يقتص من أعمارهن ويقضي على ما تبقى لهن من كرامة وصبر واحتمال.

إحدى الزوجات المصلوبات في القهر عاشت تفاصيل خيانة زوجها، كانت خيانة علنية بكل وقاحة أمام أعين الأبناء. لم يوقف الزوج أي رادع من الأهل ولا أي وازع ديني. مع الوقت بدأت هذه المرأة في الشك في نفسها وأنوثتها وجمالها وبدأت تعتقد أنها قبيحة وأنها لم تعد صالحة لأحد! اعتزلت الناس وأصيبت باكتئاب تحول مع الوقت إلى هلوسة وهذيان. لم يعد بإمكانها إدارة شؤون المنزل أو تربية الأبناء، ولا حتى المضي في هذه الحياة بشكل طبيعي. بعد سنوات من كتمان الغضب والألم واحتمال الإهانات والإساءات: ماتت، والزوج لا يزال متنعماً في حياته لم يمسسه ضّر بعد!



ما الذي كان من الممكن أن تفعله هذه المرأة في هذا الوضع؟ كان الصمت وهو أضعف الإيمان: سلاحها الذي في النهاية ماتت به.

لذلك على كل رجل أن يتحلى ببعض الرجولة وينصف زوجته، فالآثار النفسية التي يخلفها هذا العنف لا يمتد صداها إلى الزوجة فقط بل إلى الأبناء والأهل والمجتمع، وفي النهاية سيعود ليقتص منه.