محمد الرشيدات


من يتناول الأكل أولاً.. الكاميرا أم المعدّة؟

التقاط الصور وتسجيل مقاطع الفيديو لا يقتصر على الصغار ليتعدّاه إلى الكبار

فاتن الحدّاد: شواهد قضائية تجرّم انتهاك الخصوصية.. ويجب الحذر عند التقاط الصور

ترويج السلع المستهدفة بوسائل التواصل يجاوره مهمة حماية الصورة والفيديو والمصوّر

هو فضٌّ لقيمة الطعام الذي تتمنى شعوب بعض الدول المنكوبة والفقيرة الحصول على قدر قليل منه، لغة مجتمعية لم تكن لتفرض نفسها وعادتها الغريبة على الأوساط العربية والغربية لولا ظهور الهواتف الذكية الآخذة بالاغترار بذاتها لما أصبحت تحتلُّ 90% من جدول أنشطة البشر في المعمورة جمعاء، وباتت تنأى بالأفراد عن بناء علاقات إجتماعية وتركسهم عن فعل الأنشطة المفيدة لحياتهم، وما فتئت تتدخل بتفاصيل عيشهم العميقة، ويتسابقون لاستخدامها في إظهار الحَسَن من ملبسهم ومظهرهم، والشهيّ من أصناف أكلاتهم، والجميل من الوجهات التي يذهبون إليها ويرتحلون نحوها طلباً للاستجمام بالمقام الأول.

واتّساقاً من قريب أو بعيد مع ما تمّ التمهيد إليه، يمكن الوصف بأن كاميرا الهاتف المحمول قد أصبح لها فمٌ يلتهم الطعام، وهذا سردٌ «مجازيّ»، قبل الوصول إلى معدة آخذِ اللقطة نفسه، الذي إما يوثّق المائدة تفاخراً أو من أجل أن يشارك خلاّنه الأوقات التي يستمتع بها في أكله لوجبة غذائية بمفرده، أو وليمة يجتمع عليها بصحبة أقرانه، وهنا وقبل أن يهمّ الجميع بتناول ما قُدِّرَ لهم من الطعام الشهي، تبدأ عملية التصوير ليتوقّف الزمن عند تلك اللحظة بُرهةً، غير قادرين مدّ أيديهم نحو القِدر، حتى تُؤخذ اللقطة المنشودة، ويتمّ بعدها تفحّص مواءمتها لجمالية النشر، ومن ثَمّ التأكّد من طرحها على مساحة موقع معيّن من مواقع التواصل الاجتماعي، وربّما يتم انتظار ما ستحصده اللقطة من نسبة مشاهدة عالية من قِبل الأصدقاء والنطاق الواسع من المتابعِين، ويصير المعتاد في الأمر ألا يجرؤ أحد على لمس الطعام، حتى تحين الفرصة للمُجتمعِين حول المائدة ويُؤذن لهم بعد التحقق من إتمام العملية البَدء بتناول الطعام، وذلك ما قد يمحو لذّة التجمّع، وقد يثير التذمّر عند البعض منهم، وتتلاشى الأسباب التي أُقيمت من أجلها الدعوة، وغير ذلك الكثير.

خبراء في علم الاجتماع، أوعزوا حدوث الظاهرة العالمية المعروفة باسم «الكاميرا تأكل أولاً»، أو مثلما يسمّيها البعض في الضفّة ذاتها مع اختلاف المصطلحات بـ»وسواس التوثيق»، إلى ذاك السلوك الذي يتنامى مع الأيام ولا حدود لسقف أبعاده، يسكن وجدان الشخص مع تطوّر التكنولوجيا وزخم الأحداث التي يرسمها أو تصادفه في يومه، وممارسته للأنشطة التي يجد فيها مساحة وفيرة يفرّغ عبْر نافذتها نهَمَه في تقديم محتواه أيّاً كان مضمونه.

فالأشخاص الذين يلتقطون صوراً لوجباتهم بالكاميرات الرقمية أو الهواتف الذكية قبل أن يبدؤوا في الأكل، وغالباً ما يتبع ذلك تحميل تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وصفهم المختصّون بمصطلح فكاهي، عنوانه «الأشخاص يُطعمون كاميراتهم أولاً عن طريق تصوير طعامهم قبل إطعام أنفسهم»، وهم بذلك يوظِّفون طبيعة الاستخدام في حقيقة المادّة المستهدفة لتظل صامتة، وتُدرجُ حينها في يوميات الطعام الفوتوغرافية تحت خانة الطعام الجذّاب في الصور photogenic food، ليتمّ نسيان الغرض الرئيس ألا وهو التلذّذ بلُقيمات من أكل شهيّ يتمنّاه ملايين من البشر الجوعى حول العالم.

ومن وجهة نظرهم، ومع التطور التكنولوجي الحاصل في وقتنا الحالي، لا يوجد من يستطيع كبح جماح النقلات النوعية التي يفيض بها زمن العولمة من تقنيات وأجهزة حديثة تأتي يومياً بكل ما هو جديد في عالم السرعة ونقل الأخبار بكبسة زرّ واحدة.

رأي يتفق مع بعض ما ذُكر، ويختلف مع جزيئيات منه، فرئيس مجلس إدارة النادي العالمي للإعلام الاجتماعي علي سبكار بيّن لـ»الوطن» أنه من الواجب والمنطقي التأقلم مع التطوّر التكنولوجي الحاصل، منوّهاً إلى أنه من غير السليم معرفة آراء الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين ممن تلقّوا تعليمهم في حقبة النظام القديم قبل ظهور أدوات العصر الحديث، إذ يجب الاستعانة بأخصائيين خاضوا العديد من التجارب الجديدة وعاصروا بدايات ظهور الهواتف المحمولة والحواسيب الثابتة والمتنقلة في بداية القرن الـ21، ليتمكّنوا من عمل المقارنات الواقعية بين المراحل الأولى للتطوّر وما نحن عليه الآن.

وأضاف سبكار، ومن وجهة نظره الخاصّة، لا يجب تسمية النَهَم بأخذ اللقطات وتصوير مقاطع الفيديو بـ»وسواس التوثيق»، من الجيّد تسميته بـ»الأسلوب الجديد للتواصل»، وقد يكون غير مباشر، فقبل عقدين من الزمان كان الأمر مُقتصراً على إجراء مكالمة هاتفية من الهاتف النقّال مع القريب أو الصديق لمعرفة أخباره، وإفصاح المتّصل عن مكانه وما الجديد الذي لديه، ولكن ومع توالي السنين ومع ظهور التطبيقات وانقياد البشرية جمعاء للتعامل معها واستخدامها، أصبح الأمر مُدرَجاً في قالب صورةٍ أو مقطعِ للفيديو يُخبر جميع من في الدائرة القريبة والبعيدة عن النشاط الذي يقوم به الإنسان أيّاً كان نوعه، سواء بحضوره مباراةً لكرة القدم، أو جميع التفاصيل المتعلّقة برحلة سياحية داخل بلده أو خارجه إلى دولة معيّنة، أو وليمة طعام حضرها إلى جانب المدعوّين، وربّما ظهور أنيق بلباس جديد للفت الأنظار، وغير ذلك الكثير.

وأوضح سبكار، أن أسلوب التواصل المتّبع في الوقت الحالي لا يقتصر استخدامه على الصغار أو ممّن يصل عمرهم عند حَدّ الخمسين عاماً، ليتعدّاه إلى الكبار ممّن تزيد أعمارهم عن الـ70 عاماً، رجالاً ونساء، ممن يرغبون على الدوام في إطلاع أبنائهم المتزوجين أو المغتربين على تفاصيل عيشهم اليومي، مشيراً إلى أن ذلك الأمر يعكس فقط حُبّ التواصل، وعلى سبيل الحصر.

وإلى الجانب الآخر من الظاهرة، وضمْن مناولة قانونية تقف على جزئية انتهاك الخصوصية فيما يتعلّق بالتقاط الصور، خصوصاً بين المعارف والأصدقاء، أو في الأماكن العامّة، أكّدت المحامية فاتن الحدّاد لـ«الوطن» على أنه حالياً لا يوجد تقنينٌ مباشر لتلك القاعدة، ولكن إن كان لالتقاط الصّور في أماكن عامة بما لا يُسبّب ضرراً بالشخص الذي تمّ تصويره، فإن المصوّر بإمكانه التقاط الصّور ويكون المالك لحقوق المؤلف لهذه الصورة، موضّحة وجود العديد من الشواهد القضائية السابقة عالمياً في هذا الشأن، ومن الحتميّ الحذر عند التقاط أيّ صورة كانت تتعدّى حدود خصوصية المتواجدين في إطارها.

وأضافت، وأمّا بخصوص استخدام الصورة تجارياً، فإن ذلك قد يختلف نسبياً بحسب الاعتماد على الغرض الذي تمّ تصويره أو التركيز عليه، مع الأخذ بعين الاعتبار محور الصورة ومدى تأثيره عليها، مشيرةً إلى أنّه بالإمكان في أيٍّ من الحالات مقاضاة المصوّر إن تمّ استخدام الصّور أو الفيديوهات لغرض تجاري بحت يُدرُّ مبالغ عليه أو على الجهة التي يعمل لديها إن وُجدت، وهذا ما يُوجِبُ حذف الصورة أو الفيديو، وحتى في طلب تعويض مقابل ظهوره المُعلَنْ.

وحول أبرز القوانين التي تؤطّر كيفية استخدام الهاتف في البحرين بعدم التعدّي على حريّة الغير، أفادت الحدّاد، أنّ أغلب القوانين تدور حول خصوصية الآخرين من نشر محادثات خاصة وصور حصرية، والتي قد تندرج ضمن إساءة استعمال الهاتف أو قد تدخل ضمْن نطاق الجرائم الإلكترونية، إن كانت عبر وسائل إلكترونية مثل تطبيقات الهاتف الذكي.

وأمّا فيما يخصّ استغلال اللقطة تجارياً من قِبل مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، بيّنت الحدّاد أن أغلب مشاهير «السوشيال ميديا» يقومون بالتصوير بدعوة من أصحاب المحلّ أو المطعم التجاري، لذا، بإمكانهم التصوير واستخدام الصّور في حساباتهم العولمية الفردية أو الحسابات الخاصة للمحلّ أو المطعم.

واستطردت، غالباً ما يتمّ الدّفع لهم للقيام بذلك أيّاً كان العَوَض، أما بشأن الأشخاص الذين يقومون بالتصوير في المحلات والمطاعم بغرض نشر انطباع دون أخذ إذن مُسبق، فقد يتمّ استدعاؤهم ومقاضاتهم قانونياً، وتحديداً إن كانت اللقطة التي قد تمّ تصويرها من قِبل جهة معيّنة للمشهور وقام المشهور باستخدامها تجارياً دون علم المصوّر، فإن المصوّر له حقّ الرجوع على المشهور ومقاضاته، وقد كانت هناك قضايا عديدة لصالح المصوّرين «الباباراتزي» في هذا الشأن.

ولم تكتفِ الحدّاد عند ذلك الحَدّ، لتلفت إلى أنّ أثر التوثيق على ترويج السلعة المستهدفة من نافذة الميديا والوسائط المرئية التي باتت أكثر شهرة وانتشاراً في زماننا الحاضر كبير جداً، يجاوره مهمّة حماية الصورة والفيديو، فالترويج على حَدّ وصفها قد يكون إيجابياً وسلبياً في آن معاً على كيفية تسويق السلعة المُستهدَفة.