محمد الرشيدات


45٪ مساهمتها من الناتج المحلي..

البنوك ملتزمة بتخصيص ٪20 من رأس المال لدعم «الصغيرة والمتوسطة»


أكّد المستشار الخارجي لمركز ريادة الأعمال في الجامعة الأهلية د.مشعل الذوادي، على أهمية الدور المؤثّر الذي تؤدّيه المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر في معادلة الاقتصاد المحلي داخل أي بلد تتسارع وتيرة عملها ضمن نطاق حدوده.

وفي معرِض ردّه على سؤال «الوطن» المتعلّق بمدى استطاعَةِ البحرين توظيفَ المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر لرفد اقتصادها الوطني والتأثير عليه إيجابياً، أجاب الذوادي، بأنّه ومنذ أن لاحت أهمية المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر ولَمَع نجمها عالمياً في الثمانينات وكسبت قصص نجاح في أغلب الدول النامية والفقيرة، كانت القيادة الحكيمة ممثّلة بحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظّم، وبمتابعة الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تتطلّع إلى استغلال كلّ الإمكانات الوطنية للنهوض بكيان المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، ودعم مختلف المشاريع وخصوصاً تلك المنفَّذة من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث إن تلك المشاريع التنموية وحسب قوله تأتي بفكرة ومن ثَمَّ تصبح مشروعاً تنموياً ناجحاً، مضيفاً أن وجود العديد من الدراسات الميدانية بدول العالم كافّة يؤكد أهمية تلك المشاريع في تدوير رؤوس الأموال المحلية، وتنمية الاقتصاد، وتوجيه السيولة المالية لقنوات إنتاجية تُساهم في مناعة الاقتصاد المحلي وتقويته ضد أي متغيّرات عالمية قد تحدث على حين غِرّة.

وأشار الذوادي، إلى أنه ووقتما وعت الحكومة أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سارعت إلى تشكيل مجلس تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والذي يرأسه وزير الصناعة والتجارة، ليتمّ وضع خطة مُحدّثة 2022–2026، تهدف إلى توفير الخدمات والبيئة التنموية الصالحة لتخريج المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر ودعم توجهاتها بما يتناسب مع التطورات العالمية، الأمر الذي حفّزه لتبنّي تنفيذ 5 من المحاور في مقدّمتها، المحور الخاص بتيسير التمويل، والذي يشتمل على 6 مبادرات رئيسة تستهدف تيسير خدمات تمويل الصادرات الخارجية، ومنصّة التمويل الجماعي، وبرنامج تمويل المشتريات العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والحلول المصرفية للمرأة، بالإضافة إلى التصنيف الائتماني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وصولاً إلى صندوق الصناديق «الواحة».

وأمّا المحور الثاني، فهو من يقرأ كيفية تسهيل الولوج إلى الأسواق المحلية والعالمية، مشتملاً على 9 مبادرات رئيسة تتمحور حول دعم الامتياز التجاري والتميّز، وتوسيع نطاق حلول وشراكات التصدير بالمنطقة الإقليمية، فضلاً عن تخصيص أنواع معيّنة من المشتريات والمناقصات الحكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكيفية التعامل معها، ناهيك عن مبادرة دعم الشراكات والاتحادات «العضيد»، وتعزيز عطاءات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المناقصات، ومبادرة تتعلّق بعمل دليل المصدّرين الوطنيين، ومبادرة دعم التعبئة والتغليف والعلامات التجارية المحلية، إضافة إلى إطلاق أسبوع التصدير بالسوق المحلي، والتعاقدات الفرعية.

وبيّن الذوادي أن معالم المحور الثالث المعني بتبسيط إجراءات تأسيس الأعمال عند البدء، تحتوي على 5 مبادرات رئيسة تتلخّص في، قاعدة بيانات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لدى وزارة الصناعة والتجارة - المرحلة الثانية، وحلول الخدمات المصرفية للمؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة بالمملكة، وعطفاً على ذلك، قانون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي تعمل الوزارة بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني والغرفة على تطويره بما يتناسب مع الوضع الراهن، ومبادرة منصة «تجارة»، وانتهاءً بقانون المعاملات المضمونة وسجلّ الضمان الإلكتروني.

المحور الرابع كان في مرمى الطرح هو الآخر، ويرتكز على خطة تُغذّي فكرة تطوير المهارات والتميّز بها داخل الأسواق، ضامّاً لـ4 مبادرات رئيسة، أوّلها، تنمية المواهب الشخصية، والتدريب المكثّف للمناقصات الحكومية وآلية الدخول لها، ومنصة التعليم الإلكتروني للتصدير، والاستشارات للصادرات، ليأتي المحور الخامس والأخير محابباً لمفهوم الابتكار، ومستنداً على 3 مبادرات رئيسة، استقرّت في حدود دائرة تعزيز الابتكار وحماية الملكية الفكرية في حاضنات ومسرعات الأعمال، وإنشاء مركز البحرين للابتكار ونقل التكنولوجيا، وصولاً إلى إطلاق منصّة الابتكار المفتوح «تحدي المحتوى».

الذوادي بيّن كذلك، أنّ كلّ هذه المبادرات التي ينبري لإتمامها القطاع الحكومي وبالتوازي مع مساعي القطاع الخاص كلّها تصبُّ في خانة دعم التوجّهات العامّة في البحرين، بالشكل الذي يقود نحو سَلك طريق معبّد يَسْهُلُ معه تطوير الخدمات المقدّمة للمؤسسات، وتنشط في رحابه البيئة التطويرية الصحيحة المسرّعة للأعمال التنموية.

وعلى إثر ذلك، لابُدّ وأن يتحقق مؤشر النمو الاقتصادي بالدول ويكون للمؤسسات النصيب في الناتج المحلي، ليتكئ الذوادي في تصريحه على باقة من الإحصاءات تستمدّ مصداقيتها من وزارة الصناعة والتجارة وكذلك من صادرات البحرين، تشير إلى أن نسبة الناتج المحلي من المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر يبلغ 45%، وأما الصادرات فتصل إلى 25%.

وفي سياق متّصل، لفت الذوادي إلى أن الحكومة عمدت على إنشاء أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية لرفع مستوى الوعي وإكساب أصحاب المؤسسات المهارات اللازمة لإدارة مشاريعهم بكل كفاءة ويُسر.

وحول أبرز السياسات الحكومية المستحدثة التي تشدّ من عضد المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر لتزداد تطوراً وترتقي بذاتها، بيّن الذوادي ما قامت به الحكومة من توجيه مباشر لمصرف البحرين المركزي بضرورة إصدار تعميم على البنوك العاملة في المملكة من أجل تخصيص 20% من رأس المال لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث جاء هذا القرار في وقت باتت المؤسسات تعتمد على السيولة الذاتية والمدّخرات الشخصية، وهي ما آثرت على عدم حصوله البحرين باعتبارها من بين الدول المتطورة الحريصة على أن توفّر البنوكُ السيولةَ المالية اللازمة لتعظيم أرباح تلك المؤسسات وجعلها مَعْلماً اقتصادياً على شبكة المعلومات، وهذا من شأنه إدخال مورّدين محليين بشكل أكبر للعمل معها، وبالتالي الخروج بمنتج ذي قيمة سوقية عالية.

مستشار ريادة الأعمال لم ينسَ عِظَمَ المسؤولية المُلقاة على عاتق صندوق العمل «تمكين» الذي وصفه بـ«العصب السابع للاقتصاد»، لقدرته على توفير كل المتطلبات الأولية لانطلاقة المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، فضلاً عن استراتيجيته الوطنية المتعلّقة بتدريب الموظفين البحرينيين وتوفير المهارات الرئيسة لهم ليكونوا مؤثّرين في عمل تلك المؤسسات، ومن جانب آخر ما يُداوم على فعله الصندوق في التقليل من أيّ أرباح تأخذها البنوك من خلال ضمان القروض ودفع ما يترتّب عليها من فوائد من نافذة مصرف الأُسرة المحلي، الذي كان له إسهام واضح في تحويل الأُسر متناهية الصغر إلى أُسر ذات كيان قانوني تمتلك محلاتٍ وفروعاً، مضيفاً أن صندوق العمل «تمكين» يتوجّه على الدوام نحو تطوير البرامج التنموية للتأقلم مع متطلّبات السوق المحلي، بما يتناسب مع مضمون جودة العمل وإتقان المُنتج.

الذوادي قال، إن إلزام الهيئات الحكومية بالتعاون مع المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر يقود نحو تعزيز الدور العام لتلك الشريحة، وتطوير المنتج المحلي بما يلائم الذوق العام، وهذا ما يُمكن رؤيته من خلال انتشار عربات الطعام «فود تراك»، وطاولات الأُسر المُنتجة داخل المجمّعات التجارية، ناهيك عن التفاهمات التي تبنيها وزارة التنمية الاجتماعية المستمرة مع عديد الجهات الإقليمية والدولية لعرض المنتج البحريني الحديث المتميّز بالجودة والدّقة في التصميم النهائي.

وأوضح الذوادي، أنه وبهذا الصدد، فقد تمّ إنشاء الاتحاد العالمي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة اليونيسمو UNISMO عام 2013 والذي يترأّسه رئيس جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة البحرينية د.عبدالحسن الديري، حيث يضمّ الاتحاد نحو 15 دولة وهو ما يُبرهن بأن نسبة المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فيها تصل إلى 93%، أي أنها من أقوى الشرائح المؤثرة بالاقتصاد المحلي.

وبالعودة إلى الجهات المُقرِضة وما تقوم به من دعم مالي كامل ومساندة مستمرة للمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، أشار الذوادي، إلى وجود 4 مؤسسات إقراض لتلك المشروعات في البحرين وهي، جمعية رعاية الطفل والأمومة، وجمعية أوال النسائية، وبيت الأُسرة للتمويل، وبيت الإبداع للتمويل، إذ تعمل تلك الشركات على تقديم مبالغ تفي بحاجة المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر على وجه الخصوص لتسيير أمورها وأعمالها، وبعد إمضاء المُراد وتحقيق الأهداف المنشودة يتمّ إرجاع المبالغ للشركات المموّلة ومن ثَمَّ إقراض باقي المؤسسات الطامحة في الحصول على تمويل مالي، وهو أسلوب يَتّبع آلية تدوير رأس المال بين تلك الشرائح.

واستفاض الذوادي بقوله، إن مملكة البحرين قد تبنّت تلك الفكرة في العام 1999 وها هي الآن تتبوّأ مكانتها من النجاح بين دول الخليج وتحتفل بمرور 25 عاماً على تدشين المشروع، والذي كان أغلب دول الخليج متخوّفين من الاستثمار فيه أو من نظرة بعض المجتمعات العالمية له من تطبيقه، إلّا أنّه ومع استمرار العميل في التعامل مع مؤسسات التمويل المصغّر ازدادت العلاقة العملية بين الطرفين، وأصبح بالإمكان تقييم مدى الجدّية والعمل في إدارة الوقت بطرق صحيحة تعمل على وضع تلك المؤسسات على الخط الاقتصادي السليم من الطريق.

ولفت إلى أن أغلب تلك المؤسسات المالية الداعمة إلى المؤسسات متناهية الصغر سعت إلى توفير خدمات ومنتوجات تتأقلم مع متطلبات تلك المشروعات، في أن يكون حجم المبلغ موائماً لحجم المنشأة، مبتدئاً من 100 دينار ليصل في بعض الحالات إلى 4000 دينار، مبيّناً أن معظم الداخلين في البرنامج يحبّون التعامل مع مؤسسات الإقراض الصغيرة للسلاسة وسرعة إصدار القرض، من باب ضمان التسريع في التمويل، وذلك لأن الوقت عامل مهمٌّ لانطلاقة العمل والبدء في تحقيق طلبات السوق.

الذوادي أكّد على أنّ شركات التمويل المصغّر تعتبر في بعض الدول العتبة الأولى للدخول في عالم التمويل للمنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، فهي من تبيّن مدى التزام الزبون بالسداد وتعمل على تصفية العملاء، إلى جانب إعطاء فرص متنوعة لأولئك الذين لا يريدون التعامل مع البنوك ويفضّلون الإقراض المصغّر، وهذا ما أثبتته الدراسات الميدانية المستندة على قياس الأثر الإنمائي لشركات التمويل في المجتمع المحلي.