م. صبا العصفور



تقول إحدى «المُؤَثِّرات» على وسائل التواصل الاجتماعي حرفياً وبكل ثقة في سياق علاقات تعصف بها المشكلات: «عَلّمنا أهلنا منذ القدم عند وقوع خلافات مع أشخاص مقربين، بأن ما ينكسر سيتصلّح، ولكننا اليوم نقول لا! ما ينكسر يُرمى، ونحضر مكانه شي جديد»، والمؤلم أنها حصدت الآلاف من علامات الإعجاب تأكيداً على تلك المقولة، هل فعلاً كل ما ينكسر يُرمى ولا يتصلّح؟ وإذا تعرضت علاقة ما لتحدّي يتم التخلّي عنها؟ هل الإنسان بضاعة رخيصة كي يتم استبداله عند كل هفوة؟ ألا يوجد من يستحق فرصة أخرى؟

يعجّ الإعلام بثقافة سامّة تعزّز مركزية الذات وأن الفرد هو محور الكون يدور معه حيثما دار، فلا صفح ولا عفو لمن أساء له، وجل اهتمامه بنفسه ودلالها ورفاهيتها، حتى بتنا نسمع العديد ممن يتنطع بتلك المقولات مثل: «أنا سبب نجاحي وأنا سند نفسي وأنا الحضن لنفسي»، وكأن ذلك الفرد يعيش في العالم لوحده، فلا توفيق من الله ولا فضل لوالدين ولا دعم من أخ وصديق، ألا يستحق أيّ من أولئك الشكر والثناء؟ ألا يمكن تذكّر موقف إيجابي لهم في مقابل خطأ قاموا به؟

ومن أمثلة ذلك سيدة تقول: «لا أحد يستحق تضحياتي بعد الآن، فلم أعد أتردد في شراء أيّ منتج يعجبني، فأنا أستحقه، ولا أفوت أيّ إجازة بدون السفر للسياحة والاستجمام، فراحتي أولاً!»، لا أعلم أين موقع أسرتها من هذه الحياة المعبّأة بالأنا المتضخمة؟ فهذه النفسية حتما لا تلتفت إذا أخطأت في حق أحد، فكل همها ألا يخطئ أو يتعدى عليها أحد ولو من باب المزاح.

فنحن نخطئ ليس في حق الآخر فحسب، بل في حق الله تعالى، ونرجو منه الرحمة والمغفرة وتطهير صحيفة أعمالنا، ولكننا نعجز عنه مع أخينا الإنسان!

يقول تعالى في كتابه الكريم (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) يعلّمنا الله العفو حين نقدر على الانتقام، والصفح ببدء صفحة جديدة نظيفة مع الآخر، والغفران بنسيان تلك الإساءة وكأنها لم تكن موجودة أصلاً، وهي من شيم الكرام يقوم بها مريداً لا كارها.

فالناس خطاؤون وخيرهم التوابون، هكذا تعلّمنا، ألا نريد نحن فرصة أخرى مع من أخطأنا بحقهم؟ ألا يستحق الآخر المعاملة بالمثل؟ أم أنا ومن بعدي الطوفان؟